الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى : ( وإن اجتمع مسافر ومقيم فالمقيم أولى ; لأنه إذا تقدم المقيم أتموا كلهم فلا يختلفون ، وإذا تقدم المسافر اختلفوا [ في الصلاة ] ، وإن اجتمع حر وعبد فالحر أولى ; لأنه موضع كمال ، والحر أكمل ، وإن اجتمع فاسق وعدل فالعدل أولى ; لأنه أفضل ، وإن اجتمع ولد زنا وغيره فغيره أولى ; لأنه كرهه عمر بن عبد العزيز ومجاهد .

                                      وإن اجتمع بصير وأعمى فالمنصوص أنهما سواء ; لأن في الأعمى فضيلة ، وهو أنه لا يرى ما يلهيه ، وفي البصير فضيلة ، وهو أنه يجتنب النجاسة ، وقال أبو إسحاق المروزي : الأعمى أولى ، وعندي أن البصير أولى ; لأنه يجتنب النجاسة التي تفسد الصلاة والأعمى يترك النظر إلى ما يلهيه ، وذلك لا تفسد الصلاة به )

                                      [ ص: 181 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 181 ] الشرح ) هذه المسائل كلها كما قالها في الأحكام والدلائل ، إلا أن مسألة البصير والأعمى فيها ثلاثة أوجه : مشهورة ، ذكر المصنف منها وجهين : واختار الثالث لنفسه ، وهو ترجيح البصير وجعله اختيارا له ، ولم يحكه وجها للأصحاب .

                                      وهو وجه حكاه شيخه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب التتمة والرافعي وآخرون ( والصحيح ) عند الأصحاب أن البصير والأعمى سواء كما نص عليه الشافعي .

                                      وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون .

                                      واتفقوا على أنه لا كراهة في إمامة الأعمى للبصراء



                                      قال أصحابنا : ويقدم العدل على فاسق أفقه وأقرأ منه ; لأن الصلاة وراء الفاسق وإن كانت صحيحة فهي مكروهة



                                      . قال أصحابنا : والبالغ أولى من الصبي وإن كان أفقه وأقرأ ; لأن صلاة البالغ واجبة عليه .

                                      فهو أحرص على المحافظة على حدودها ، ولأنه مجمع على صحة الاقتداء به بخلاف الصبي ، ولو اجتمع صبي حر وبالغ عبد فالعبد أولى ; لما ذكرناه .

                                      نقله القاضي أبو الطيب وآخرون في كتاب الجنائز ، ولو اجتمع حر غير فقيه [ وعبد فقيه ] فأيهما أولى ؟ فيه ثلاثة أوجه : كالبصير والأعمى ( الصحيح ) تساويهما .

                                      قال أصحابنا : والحرة أولى من الأمة ; لأنها أكمل ، ولأنه يلزمها ستر رأسها .



                                      ( فرع ) ذكر المصنف والأصحاب أن المقيم أولى من المسافر ، فلو صلى المسافر بمقيم فهو خلاف الأولى ، وهل هو مكروه كراهة تنزيه ؟ فيه قولان حكاهما البندنيجي والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وآخرون ، وقال في الأم : يكره ، وفي الإملاء : لا يكره ، وهو الأصح ; لأنه لم يصح فيه نهي شرعي ، هذا إذا لم يكن فيهم السلطان أو نائبه ، فإن كان فهو أحق بالإمامة ، وإن كان مسافرا .

                                      ذكره الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون ، ولا خلاف فيه ، وكلام المصنف هنا وفي التنبيه محمول على إذا لم يكن فيهم السلطان ولا نائبه



                                      ( فرع ) قال البندنيجي وغيره : وإمامة من لا يعرف أبوه كإمامة ولد الزنا فيكون بخلاف الأولى ، وقال البندنيجي : هي مكروهة



                                      ( فرع ) الخصي والمجبوب كالفحل في الإمامة لا فضيلة لبعضهم على بعض ، ذكره البندنيجي وغيره



                                      [ ص: 182 ] فرع ) في مسائل تتعلق بالباب ( إحداها ) : الاقتداء بأصحاب المذاهب المخالفين بأن يقتدي شافعي بحنفي ، أو مالكي لا يرى قراءة البسملة في الفاتحة ، ولا إيجاب التشهد الأخير ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا ترتيب الوضوء وشبه ذلك .

                                      وضابطه أن تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم أو عكسه لاختلافهما في الفروع ، فيه أربعة أوجه : ( أحدها ) : الصحة مطلقا .

                                      قاله القفال اعتبارا باعتقاد الإمام ( والثاني ) لا يصح اقتداؤه مطلقا ، قاله أبو إسحاق الإسفراييني ; لأنه وإن أتى بما نشترطه ونوجبه فلا يعتقد وجوبه فكأنه لم يأت به ( والثالث ) : إن أتى بما نعتبره نحن لصحة الصلاة صح الاقتداء ، وإن ترك شيئا منه أو شككنا في تركه لم يصح ( والرابع ) : وهو الأصح ، وبه قال أبو إسحاق المروزي والشيخ أبو حامد الإسفراييني والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والأكثرون : إن حققنا تركه لشيء نعتبره لم يصح الاقتداء وإن تحققنا الإتيان بجميعه أو شككنا صح ، وهذا يغلب اعتقاد المأموم هذا حاصل الخلاف فيتفرع عليه : لو مس حنفي امرأة أو ترك طمأنينة أو غيرها صح اقتداء الشافعي به عند القفال وخالفه الجمهور وهو الصحيح ، ولو صلى الحنفي على وجه لا يعتقده ، والشافعي يعتقد بأن احتجم أو افتصد ، وصلى صح الاقتداء عند الجمهور وخالفهم القفال



                                      وقال الأودني والحليمي الإمامان الجليلان من أصحابنا : لو أم ولي الأمر أو نائبه وترك البسملة ، والمأموم يرى وجوبها ، صحت صلاته خلفه عالما كان أو ناسيا ، وليس له المفارقة ; لما فيه من الفتنة ، وقال الرافعي : وهذا حسن .

                                      ولو صلى حنفي خلف شافعي على وجه لا يعتقده الحنفي بأن افتصد ففيه الخلاف إن اعتبرنا اعتقاد الإمام صح الاقتداء وإلا فلا .

                                      وإذا صححنا اقتداء أحدهما بالآخر وصلى شافعي الصبح خلف حنفي ومكث الإمام بعد الركوع قليلا وأمكن المأموم القنوت قنت ، وإلا تابعه وترك القنوت ، ويسجد للسهو على الأصح ، وهو اعتبار اعتقاد المأموم ، وإن اعتبرنا اعتقاد الإمام لم يسجد



                                      ولو صلى الحنفي خلف الشافعي الصبح فترك الإمام القنوت وسجد للسهو [ ص: 183 ] تابعه المأموم ، فإن ترك الإمام السجود سجد المأموم إن اعتبرنا اعتقاد الإمام وإلا فلا .



                                      ( الثانية ) لو صلت الأمة مكشوفة الرأس بحرائر مستترات صحت صلاة الجميع ; لأن رأسها ليست بعورة بخلاف الحرة ، نص عليه الشافعي ، واتفقوا عليه



                                      ( الثالثة ) لا تكره إمامة العبد للعبيد ، ولا للأحرار ، ولكن الحر أولى .

                                      هذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وقال أبو مجلز التابعي : تكره إمامته مطلقا ، وهي رواية عن أبي حنيفة وقال الضحاك : تكره إمامته للأحرار ، ولا تكره للعبيد




                                      الخدمات العلمية