الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            أبواب أحكام الردة والإسلام باب قتل المرتد 3215 - ( عن عكرمة قال : { أتي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تعذبوا بعذاب الله ، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه } . رواه الجماعة إلا مسلما ، وليس لابن ماجه فيه سوى : { من بدل دينه فاقتلوه } .

                                                                                                                                            وفي حديث لأبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : { اذهب إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل ، فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال : انزل ، وإذا رجل عنده موثق ، قال : ما هذا ؟ قال : كان يهوديا فأسلم ثم تهود ، قال : لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي رواية لأحمد : قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه . ولأبي داود في هذه القصة فأتي أبو موسى برجل قد ارتد عن الإسلام ، فدعاه عشرين ليلة أو قريبا منها ، فجاء معاذ فدعاه فأبى ، فضرب عنقه ) .

                                                                                                                                            3216 - ( وعن محمد بن عبد الله بن عبد القاري قال : قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره ، ثم قال : هل من مغربة خبر ؟ قال : نعم ، كفر رجل بعد إسلامه ، قال : فما فعلتم به ؟ قال : قربناه فضربنا عنقه ، فقال عمر : هلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه ; لعله يتوب ويراجع أمر الله ؟ اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني . رواه الشافعي ) .

                                                                                                                                            [ ص: 226 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 226 ] أثر عمر أخرجه أيضا مالك في الموطإ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه . قال الشافعي : من لا يتأنى بالمرتد زعموا أن هذا الأثر عن عمر ليس بمتصل . ورواه البيهقي من حديث أنس قال : " لما نزلنا على تستر " فذكر الحديث ، وفيه : " فقدمت على عمر رضي الله عنه فقال : يا أنس ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين ؟ قال : يا أمير المؤمنين قتلوا بالمعركة ، فاسترجع عمر ، قلت : وهل كان سبيلهم إلا القتل ؟ قال : نعم ، قال : كنت أعرض عليهم الإسلام ، فإن أبوا أودعتهم السجن " .

                                                                                                                                            وفي الباب عن جابر : " أن امرأة أم رومان " وفي التلخيص " أن الصواب { أم مروان ارتدت ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عليها الإسلام ، فإن تابت وإلا قتلت } . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين ، وزاد في إحداهما { فأبت أن تسلم فقتلت } . قال الحافظ : وإسناداهما ضعيفان . وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة { أن امرأة ارتدت يوم أحد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب ، فإن تابت وإلا قتلت } .

                                                                                                                                            وأخرج أبو الشيخ في كتاب الحدود عن جابر { أنه صلى الله عليه وسلم استتاب رجلا أربع مرات } .

                                                                                                                                            وفي إسناده العلاء بن هلال وهو متروك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر . ورواه البيهقي من وجه آخر من حديث عبد الله بن وهب عن الثوري عن رجل عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلا ، وسمى الرجل نبهان . وأخرج الدارقطني والبيهقي " أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد إسلامها فلم تتب فقتلها " . قال الحافظ : وفي السير { أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل أم قرفة يوم قريظة } وهي غير تلك " .

                                                                                                                                            وفي الدلائل عن أبي نعيم " أن زيد بن ثابت قتل أم قرفة في سريته إلى بني فزارة " . قوله : ( بزنادقة ) بزاي ونون وقاف جمع زنديق بكسر أوله وسكون ثانيه . قال أبو حاتم السجستاني وغيره : الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرد أي يقول بدوام الدهر ، لأن زنده : الحياة ، وكرد : العمل ، ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور . وقال ثعلب : ليس في كلام العرب زنديق ، وإنما يقال زندقي لمن يكون شديد البخل ، وإذا أرادوا ما تريد العامة قالوا : ملحد ودهري بفتح الدال : أي يقول بدوام الدهر ، وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن ، وقال الجوهري : الزنديق من الثنوية ، وفسره بعض الشراح بأنه الذي يدعي مع الله إلها آخر . وتعقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك .

                                                                                                                                            قال الحافظ : والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل أن أصل الزندقة اتباع ديصان ثم ماني ثم مزدك ، الأول : بفتح الدال المهملة وسكون التحتية بعدها صاد مهملة ، والثاني : بتشديد النون ، وقد تخفف والياء خفيفة ، والثالث : بزاي ساكنة ودال مهملة مفتوحة ثم كاف . [ ص: 227 ] وحاصل مقالتهم أن النور والظلمة قديمان ، وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما ، فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ، ومن كان من أهل الخير فهو من النور ، وأنه يجب أن يسعى في تخليص النور من الظلمة فيلزم إزهاق كل نفس ، وكان بهرام جد كسرى تحايل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه ، وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور وقام الإسلام .

                                                                                                                                            والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك ، وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل ، فهذا أصل الزندقة . وأطلق جماعة من الشافعية الزندقة على من يظهر الإسلام ويخفي الكفر مطلقا . وقال النووي في الروضة : الزنديق : الذي لا ينتحل دينا . وقد اختلف الناس في الذين وقع لهم مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنهما وقع ، وسيأتي . قوله : ( لنهي رسول الله قال : لا تعذبوا بعذاب الله ) أي لنهيه عن القتل بالنار بقوله : { ولا تعذبوا بعذاب الله } وهذا يحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون سمعه من بعض الصحابة . وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة حديثا وفيه : { وإن النار لا يعذب بها إلا الله } ذكره البخاري في الجهاد . وأخرج أبو داود من حديث ابن مسعود في قصة بلفظ : { وإنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار } . قوله : { من بدل دينه فاقتلوه } هذا ظاهره العموم في كل من وقع منه التبديل ولكنه عام ويخص منه من بدله في الباطن ولم يثبت عليه ذلك في الظاهر فإنه تجرى عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر ولكن مع الإكراه ، هكذا في الفتح . قال فيه : واستدل به على قتل المرتدة كالمرتد ، وخصه الحنفية بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء .

                                                                                                                                            وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى امرأة مقتولة ما كانت هذه لتقاتل ، ثم نهى عن قتل النساء . واحتجوا بأن من الشرطية لا تعم المؤنث . وتعقب بأن ابن عباس راوي الخبر وقد قال بقتل المرتدة ، وقتل أبو بكر الصديق في خلافته امرأة ارتدت كما تقدم والصحابة متوافرون فلم ينكر عليه أحد ذلك . واستدلوا أيضا بما وقع في حديث معاذ : أن النبي صلى الله عليه وسلم { لما أرسله إلى اليمن قال له : أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه ، فإن عاد وإلا فاضرب عنقه ، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها ، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها } . قال الحافظ : وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه . ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها : الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف ومن صور الزنا رجم المحصن حتى يموت ، فإن ذلك مستثنى من النهي عن قتل النساء فيستثنى قتل المرتدة مثله .

                                                                                                                                            واستدل بالحديث بعض الشافعية على أنه يقتل من انتقل من ملة من ملل الكفر إلى ملة أخرى . وأجيب بأن الحديث متروك الظاهر [ ص: 228 ] فيمن كان كافرا ثم أسلم اتفاقا مع دخوله في عموم الخبر فيكون المراد من بدل دينه الذي هو دين الإسلام ، لأن الدين في الحقيقة هو دين الإسلام ، قال الله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } . ويؤيده أن الكفر ملة واحدة ، فإذا انتقل الكافر من ملة كفرية إلى أخرى مثلها لم يخرج عن دين الكفر ، ويؤيده أيضا قوله تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } . وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على ذلك فأخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس رفعه : { من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه } واستدل بالحديث المذكور في الباب على أنه يقتل الزنديق من غير استتابة . وتعقب بأنه وقع في بعض طرق الحديث أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه استتابهم كما في الفتح من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال : قيل لعلي : إن هنا قوما على باب المسجد يزعمون أنك ربهم ، فدعاهم فقال لهم : ويلكم ما تقولون ؟ قالوا أنت ربنا وخالقنا ورازقنا ، قال : ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون ، وأشرب كما تشربون ، إن أطعت الله أثابني إن شاء ، وإن عصيته خشيت أن يعذبني ، فاتقوا الله وارجعوا ، فأبوا ، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال : قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام ، فقال : أدخلهم ، فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة ، فأبوا إلا ذلك فأمر علي أن يخد لهم أخدود بين باب المسجد والقصر وأمر بالحطب أن يطرح في الأخدود ويضرم بالنار ، ثم قال لهم : إني طارحكم فيها أو ترجعوا ، فأبوا أن يرجعوا ، فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال :

                                                                                                                                            إني إذا أريت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا

                                                                                                                                            قال الحافظ : إن إسناد هذا صحيح .

                                                                                                                                            وزعم أبو مظفر الإسفراييني في الملل والنحل أن الذين أحرقهم علي رضي الله عنه طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبئية وكان كبيرهم عبد الله بن سبإ يهوديا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة ، وأما ما رواه ابن أبي شيبة أنهم أناس كانوا يعبدون الأصنام في السر فسنده منقطع ، فإن ثبت حمل على قصة أخرى ، وقد ذهب الشافعي إلى أنه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره . وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان إحداهما : لا يستتاب ، والأخرى : إن تكرر منه لم تقبل توبته ، وهو قول الليث وإسحاق . وحكي عن أبي إسحاق المروزي من أئمة الشافعية ، قال الحافظ : ولا يثبت عنه بل قيل : إنه تحريف من إسحاق بن راهويه ، والأول هو المشهور عن المالكية . وحكي عن مالك أنه إن جاء تائبا قبل وإلا فلا ، وبه قال أبو يوسف ، واختاره أبو إسحاق الإسفراييني وأبو منصور البغدادي .

                                                                                                                                            وعن جماعة من الشافعية : إن كان داعية [ ص: 229 ] لم يقبل وإلا قبل . وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي ومحمد أنها تقبل توبة الزنديق لعموم { إن ينتهوا } . وعن مالك وأبي يوسف والجصاص : لا تقبل إذ يعرف منهم التظهر تقية بخلاف ما ينطقون به . قال المهدي : فيرتفع الخلاف حينئذ فيرجع إلى القرائن ، لكن الأقرب العمل بالظاهر ، وإن التبس الباطن ، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه في قتل منافق : { أليس يشهد أن لا إله إلا الله } الخبر ونحوه . قال في الفتح : واستدل من منع من قبول توبة الزنديق بقوله تعالى : { إلا الذين تابوا وأصلحوا } فقال : الزنديق لا يطلع على إصلاحه لأن الفساد إنما أتى مما أسره ، فإذا اطلع عليه وأظهر الإقلاع عنه لم يرد على ما كان عليه ، ولقوله تعالى : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم } . وأجيب بأن المراد من مات منهم على ذلك كما فسره ابن عباس . أخرجه عنه ابن أبي حاتم وغيره . واستدل لمن قال بالقبول بقوله تعالى : { اتخذوا أيمانهم جنة } فدل على أن إظهار الإيمان يحصن من القتل . قال الحافظ : وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأسامة : { هلا شققت عن قلبه } وقال للذي ساره في قتل رجل : { أليس يصلي ؟ قال : نعم ، قال : أولئك الذين نهيت عن قتلهم } { وقال صلى الله عليه وسلم لخالد لما استأذنه في قتل الذي أنكر القسمة : إني لم أومر بأن أنقب عن قلوب الناس } وهذه الأحاديث في الصحيح ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة .

                                                                                                                                            قوله : ( ثم أتبعه ) بهمزة ثم مثناة ساكنة . قوله : ( معاذ بن جبل ) بالنصب أي بعده ظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه ، ووقع في بعض النسخ واتبعه بهمزة وصل وتشديد المثناة ، ومعاذ بالرفع . قوله : ( فلما قدم عليه ) في البخاري في كتاب المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل ، وأن كلا منهما كان إذا سار في أرضه بقرب من صاحبه أحدث به عهدا وفي أخرى له : " فجعلا يتزاوران " . قوله : ( وسادة ) هي ما تجعل تحت رأس النائم ، كذا قال النووي ، قال : وكان من عادتهم أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه . قوله : ( وإذا رجل عنده . . . إلخ ) هي جملة حالية بين الأمر والجواب . قال الحافظ : ولم أقف على اسمه . قوله : ( قضاء الله ) خبر مبتدإ محذوف ويجوز النصب .

                                                                                                                                            قوله : ( فضرب عنقه ) في رواية للطبراني { فأتي بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها } . ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار . قوله : ( هل من مغربة خبر ) بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما ، معناه : هل من خبر جديد من بلاد بعيدة . قال الرافعي : شيوخ الموطإ فتحوا الغين وكسروا الراء وشددوها . قوله : ( هلا حبستموه . . . إلخ ) وكذلك قوله في الحديث الأول : " فدعاه عشرين ليلة . . . إلخ " استدل بذلك من أوجب [ ص: 230 ] الاستتابة للمرتد قبل قتله . وقد قدمنا في أول الباب ما في ذلك من الأدلة . قال ابن بطال : اختلفوا في استتابة المرتد ، فقيل : يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وهو قول الجمهور .

                                                                                                                                            وقيل : يجب قتله في الحال ، وإليه ذهب الحسن وطاوس ، وبه قال أهل الظاهر ، ونقله ابن المنذر عن معاذ وعبيد بن عمير ، وعليه يدل تصرف البخاري فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر فيها للاستتابة ، والتي فيها أن التوبة لا تنفع ، وبعموم قوله : { من بدل دينه فاقتلوه } وبقصة معاذ المذكورة ، ولم يذكر غير ذلك . قال الطحاوي : ذهب هؤلاء إلى أن حكم من ارتد عن الإسلام حكم الحربي الذي بلغته الدعوة ، فإنه يقاتل من قبل أن يدعى ، قالوا : وإنما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة . فأما من خرج عن بصيرة فلا ، ثم نقل عن أبي يوسف موافقتهم ، لكن إن جاء مبادرا بالتوبة خلي سبيله ووكل أمره إلى الله .

                                                                                                                                            وعن ابن عباس : إن كان أصله مسلما لم يستتب وإلا استتيب . واستدل ابن القصار لقول الجمهور بالإجماع ، يعني السكوتي ، لأن عمر كتب في أمر المرتد : " هلا حبستموه ثلاثة أيام ؟ " ثم ذكر الأثر المذكور في الباب . ثم قال : ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم : { من بدل دينه فاقتلوه } أي إن لم يرجع ، وقد قال تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفى بالمرة أم لا بد من ثلاث ؟ وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام ؟ ونقل ابن بطال عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه يستتاب شهرا ، وعن النخعي يستتاب أبدا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية