الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون

                                                                                                                                                                                                [ ص: 367 ] والأكنة: جمع كنان. وهو الغطاء، و "الوقر" بالفتح: الثقل. وقرئ: بالكسر. وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن تقبل الحق واعتقاده، كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها، كقوله تعالى: وقالوا قلوبنا غلف [البقرة: 88] ومج أسماعهم له كأن بها صمما عنه، ولتباعد المذهبين والدينين كأن بينهم وما هم عليه، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو عليه: حجابا ساترا وحاجزا منيعا من جبل أو نحوه، فلا تلاقي ولا ترائي "فاعمل" على دينك إننا عاملون على ديننا، أو فاعمل في إبطال أمرنا، إننا عاملون في إبطال أمرك. وقرئ: (إنا عاملون) فإن قلت: هل لزيادة "من" في قوله: ومن بيننا وبينك حجاب فائدة؟ قلت: نعم; لأنه لو قيل: وبيننا وبينك حجاب: لكان المعنى: أن حجابا حاصلا وسط الجهتين، وأما بزيادة "من" فالمعنى: أن حجابا ابتدأ منا وابتدأ منك، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها. فإن قلت: هلا قيل: على قلوبنا أكنة، كما قيل: وفى آذاننا وقر; ليكون الكلام على نمط واحد؟ قلت: هو على [ ص: 368 ] نمط واحد; لأنه لا فرق في المعنى بين قولك: قلوبنا في أكنة. وعلى قلوبنا أكنة. والدليل عليه قوله تعالى: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ولو قيل: إنا جعلنا قلوبهم في أكنة: لم يختلف المعنى، وترى المطابيع منهم لا يراعون الطباق والملاحظة إلا في المعاني.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية