الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الخلع

( قال ) : وإذا اختلعت المرأة من زوجها فالخلع جائز ، والخلع تطليقة بائنة عندنا ، وفي قول الشافعي رحمه الله هو فسخ ، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقد روي رجوعه إلى قول عامة الصحابة رضي الله عنهم استدل الشافعي بقوله تعالى : { الطلاق مرتان } إلى أن قال : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } إلى أن قال : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } ، فلو جعلنا الخلع طلاقا صارت التطليقات أربعا في سياق هذه الآية ، ولا يكون الطلاق أكثر من ثلاث ; ولأن النكاح عقد محتمل للفسخ حتى يفسخ بخيار عدم الكفاءة ، وخيار العتق ، وخيار البلوغ عندكم فيحتمل الفسخ بالتراضي أيضا ، وذلك بالخلع ، واعتبر هذه المعاوضة المحتملة للفسخ بالبيع والشراء في جواز فسخها بالتراضي .

( ولنا ) ما روي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم موقوفا عليهم ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم { الخلع تطليقة بائنة } ، والمعنى فيه [ ص: 172 ] أن النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ، ألا ترى أنه لا يفسخ بالهلاك قبل التسليم ، فإن الملك الثابت به ضروري لا يظهر إلا في حق الاستيفاء ، وقد قررنا هذا في النكاح ، وبينا أن الفسخ بسبب عدم الكفاءة فسخ قبل التمام فكان في معنى الامتناع من الإتمام ، وكذلك في خيار البلوغ ، والعتق ، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد ، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ، ولكن يحتمل القطع في الحال فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع العقد في الحال مجازا ، وذلك إنما يكون بالطلاق .

ألا ترى أن الرجل يقول : خلعت الخف من رجلي يريد به الفصل في الحال ، فأما الآية فقد ذكر الله تعالى التطليقة الثالثة بعوض ، وبغير عوض ، وبهذا لا يصير الطلاق أربعا ، وفائدة هذا الاختلاف أنه لو خالعها بعد تطليقتين عندنا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وعنده له أن يتزوجها ، وإن نوى بالخلع ثلاث تطليقات فهي ثلاث ; لأنه بمنزلة ألفاظ الكناية ، وقد بينا أن نية الثلاث تسع هناك ; فكذلك في الخلع ، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة ، وعلى قول زفر رحمه الله تعالى اثنتان كما في لفظ الحرمة ، والبينونة ، وكذلك كل طلاق بجعل فهو بائن ; لأن الزوج ملك البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها ; ولأن غرضها من التزام البدل أن تتخلص من الزوج ، ولا يحصل ذلك إلا بوقوع البينونة ، فإن قال الزوج : لم أعن بالخلع طلاقا ، وقد أخذ عليه جعلا لم يصدق في الحكم ; لأنه أخذ الجعل على سبيل التملك ، ولا يتملك ذلك إلا بوقوع الطلاق عليها فكان ذلك أدل على قصده الطلاق من حال مذاكرة الطلاق ، ولكن فيما بينه وبين الله تعالى يسعه أن يقيم معها ; لأن الله تعالى عالم بما في سره إلا أنه لا يسع المرأة أن تقيم معه ; لأنها لا تعرف منه إلا الظاهر كالقاضي .

التالي السابق


الخدمات العلمية