الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 318 ] مسألة : وهذه المواقيت لأهلها ، ولكل من مر عليها ، وجملة ذلك أنه من مر بهذه المواقيت فعليه أن يحرم منها ، سواء كان من أهل ذلك الوجه الذي وقت الميقات له أو كان من غير أهل ذلك الوجه ، لكنه سلكه مع أهله ، وسواء كان بعد هذا يمر على ميقات الوجه الذي هو منه أو لا يمر ، وذلك مثل أهل الشام فإنهم قد صاروا في هذه الأزمان يعرجون عن طريقهم ليمروا بالمدينة فيمرون بذي الحليفة ، فعليهم أن يحرموا منها ، وكذلك لو عرج أهل العراق إلى المدينة أو خرج بعض أهل المدينة على غير ذي الحليفة ، وهي الطريق الأخرى .

ومن مر على ميقاتين فعليه أن يحرم من أبعدهما من مكة ، قال أحمد في رواية ابن القاسم : إذا مر رجل من أهل الشام بالمدينة ، وأراد الحج فإنه يهل من ذي الحليفة ، وابن عباس يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت : " هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فهن لهن " أي : لهذه الأمصار وأهلها " ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " أي : ولمن أتى على المواقيت من غير أهل المحل ، أي : ممن أتى على ميقات من غير أهل مصره ؛ لأن الرجل لا يأتي عليهن جميعهن ، وليس أحد يخرج [ ص: 319 ] عن هذه الأمصار ، فجعل الميقات لكل من مر به من أهل وجهه ومن غير أهل وجهه ، ولم يفرق بين أن يكون من أهل وجه ميقات آخر .

وقوله : " لهن " أي لمن جاء على طريقهن ، وسلكه ، وقد روى سعيد أن ابن يحيى قال : ثنا هشام بن عروة ، عن عروة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق ذات عرق ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، ولأهل المدينة ومن مر بهم ذا الحليفة ، ولأهل الشام ومصر ومن ساحل+ الجحفة " .

وروى سعيد عن سفيان ، قال : سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لمن ساحل+ من أهل الشام الجحفة " فقد بين عروة في روايته أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذا الحليفة لأهل المدينة ، ومن مر بهم ، وأن الجحفة إنما وقتها للشامي إذا سلك تلك الطريق ، طريق الساحل .

وأيضا فإن المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم ، فكل من مر من جوانب الحرم لزمه تعظيم حرمته ، وإن كان بعض جوانبه أبعد من بعض .

وأيضا فإن قرب هذه المواقيت وبعدها ؛ لما يحل لأهل بعيدها من الرفاهية ، وذلك +يشركهم فيه كل من دخل مصرهم ، فإن المسافر إذا دخل مصرا ، وأقام فيها أياما انحط عنه عظمة مشقة سفره فوجد الطعام ، والعلف ، والظل ، والأمن ، وخفف [ ص: 320 ] أحماله إلى غير ذلك من أسباب الرفق ، وأيضا فإن هذه المواقيت حدود النسك ، فليس لأحد أن يتعدى حدود الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية