الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قل أإنكم لتكفرون الآيات . أخرج ابن جرير والنحاس في "ناسخه" وأبو الشيخ في "العظمة" والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن ابن عباس، أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال وما فيهن من [ ص: 89 ] منافع يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة، فقال تعالى : قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه . فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال؛ حين يموت من مات، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة . قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد؟ قال : ثم استوى على العرش . قالوا : قد أصبت لو أتممت . قالوا : ثم استراح . فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فنزل : ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون . [ق : 38،39]

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 90 ] وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : وبارك فيها : كل شيء فيه منفعة لابن آدم فهو مبارك . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : وقدر فيها أقواتها قال : شق الأنهار، وغرس الأشجار ووضع الجبال وأجرى البحار وجعل في هذه ما ليس في هذه وفي هذه ما ليس في هذه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله : وقدر فيها أقواتها قال : قدر في كل أرض شيئا لا يصلح في غيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد، وابن المنذر ، عن عكرمة في قوله : وقدر فيها أقواتها قال : لا يصلح السابوري إلا بسابور ولا ثياب اليمن إلا باليمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير : وقدر فيها أقواتها . قال : معاشها . [ ص: 91 ] وأخرج عبد الرزاق عن الحسن : وقدر فيها أقواتها قال : أرزاقها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد، عن قتادة في قوله : سواء للسائلين قال : من سأل فهو كما قال الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ في "العظمة" عن ابن عباس قال : خلق الله تعالى السماوات من دخان، ثم ابتدأ خلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، فذلك قول الله : قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ثم قدر فيها أقواتها في يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فذلك قوله : وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسمكها وزينها بالنجوم والشمس والقمر وأجراهما في فلكهما وخلق فيها ما شاء من خلقه وملائكته يوم الخميس ويوم الجمعة، وخلق الجنة يوم الجمعة، وخلق آدم يوم الجمعة، فذلك قول الله : خلق السماوات والأرض في ستة أيام . [يونس : 3] وسبت كل شيء يوم السبت، فعظمت اليهود يوم السبت؛ لأنه [ ص: 92 ] سبت فيه كل شيء، وعظمت النصارى يوم الأحد؛ لأنه ابتدأ فيه خلق كل شيء، وعظم المسلمون يوم الجمعة؛ لأن الله فرغ فيه من خلقه، وخلق في الجنة رحمته، وجمع فيه آدم، وفيه هبط من الجنة إلى الأرض، وفيه قبلت توبته وهو أعظمها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : إن الله تعالى خلق يوما فسماه الأحد، ثم خلق ثانيا فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء، وخلق خامسا فسماه الخميس، فخلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء؛ ولذلك يقول الناس : إنه يوم ثقيل . وخلق مواضع الأنهار والشجر والقرى يوم الأربعاء وخلق الطير والوحش والسباع والهوام والآفة يوم الخميس، وخلق الإنسان يوم الجمعة، وفرغ من الخلق يوم السبت .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 93 ] وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن سلام قال : إن الله تعالى ابتدأ الخلق وخلق الأرضين يوم الأحد والاثنين، وخلق الأقوات والرواسي يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السماوات في الخميس والجمعة إلى صلاة العصر، وخلق فيها آدم في تلك الساعة التي لا يوافقها عبد في صلاة يدعو ربه إلا استجاب له، فهي ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ما يوم الأحد؟ قال : فيه خلق الله الأرض وكبسها . قالوا : الاثنين؟ قال : خلق فيه وفي الثلاثاء الجبال والماء، وكذا وكذا، وما شاء الله . قالوا : فيوم الأربعاء؟ قال : "الأقوات" . قالوا : فيوم الخميس؟ قال : فيه خلق الله السماوات . قالوا : [ ص: 94 ] فيوم الجمعة؟ قال : خلق في ساعتين الملائكة وفي ساعتين الجنة والنار وفي ساعتين الشمس والقمر والكواكب وفي ساعتين الليل والنهار . قالوا : السبت؟ ذكروا الراحة، فقال : سبحان الله! فأنزل الله : ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . [ق : 38]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى فرغ من خلقه في ستة أيام، أولهن يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، خلق يوم الأحد السماوات، وخلق يوم الاثنين الشمس والقمر والنجوم، وخلق يوم الثلاثاء دواب البحر ودواب البر وفجر الأنهار وقوت الأقوات وخلق الأشجار يوم الأربعاء، وخلق يوم الخميس الجنة والنار وخلق آدم يوم الجمعة، ثم أقبل على الأمر يوم [ ص: 95 ] السبت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن أبي بكر قال : جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا ما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة؟ فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء وخلق السماوات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات . يعني من يوم الجمعة . وخلق في أول ساعة الآجال وفي الثانية الآفة وفي الثالثة آدم . قالوا : صدقت إن تممت . فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يريدون فغضب، فأنزل الله : وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون . [ق : 39،38]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن ابن عباس في قوله : فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قال : قال للسماء : أخرجي شمسك وقمرك ونجومك . وقال للأرض : شققي أنهارك وأخرجي ثمارك فقالتا : أتينا طائعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : [ ص: 96 ] ائتيا قال : أعطيا . وفي قوله : قالتا أتينا قال : أعطينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله : وأوحى في كل سماء أمرها قال : مما أمر به وأراده من خلق النيرات والرجوم وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة : وأوحى في كل سماء أمرها قال : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية