الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة استدل علماؤنا بقوله تعالى : { ذلك يوم التغابن } على أنه لا يجوز الغبن في معاملة الدنيا ; لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة ، فقال : { ذلك يوم التغابن } ; وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا ، فكل من اطلع على غبن في مبيع فإنه مردود إذا زاد على الثلث ، واختاره البغداديون ، واحتجوا عليه بوجوه ; منها قوله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ { : إذا بايعت فقل لا خلابة ، ولك الخيار ثلاثا } . وهذا فيه نظر طويل بيناه في مسائل الخلاف . نكتته أن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدنيا ; إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة ، لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز منه لأحد فمضى في البيوع ; إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا ، لأنه لا يخلو منه ، حتى إذا كان كثيرا أمكن الاحتراز منه ، فوجب الرد به .

                                                                                                                                                                                                              والفرق بين القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم ، فقدر علماؤنا الثلث لهذا الحد ; إذ رأوه حدا في الوصية وغيرها .

                                                                                                                                                                                                              ويكون معنى الآية على هذا : ذلك يوم التغابن الجائز مطلقا من غير تفصيل ، أو ذلك يوم التغابن الذي لا يستدرك أبدا ; لأن تغابن الدنيا يستدرك بوجهين : إما برد في بعض الأحوال على قول بعض العلماء ، وإما بربح في بيع آخر وسلعة أخرى . [ ص: 225 ]

                                                                                                                                                                                                              فأما من خسر الجنة فلا درك له أبدا . وقد قال بعض علماء الصوفية : إن الله كتب الغبن على الخلق أجمعين ، ولا يلقى أحد ربه إلا مغبونا ; لأنه لا يمكنه الاستيفاء للعمل حتى يحصل له استيفاء الثواب . وفي الأثر قال النبي صلى الله عليه وسلم { : لا يلقى الله أحد إلا نادما إن كان مسيئا إذ لم يحسن . وإن كان محسنا إذ لم يزدد } . والقول متشعب ، والقدر الذي يتعلق منه بالأحكام هذا فاعلموه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية