الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن الجهاد فرض كفاية وأنه شرع مع كل بر وفاجر 3247 - ( عن عكرمة عن ابن عباس قال : { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } ، { ما كان لأهل المدينة } إلى قوله : { يعملون } ، نسختها الآية التي تليها { وما كان المؤمنون } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            3248 - ( وعن عروة بن الجعد البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الخيل معقود في نواصيها الخير ; الأجر والمغنم إلى يوم القيامة } متفق عليه . ولأحمد ومسلم والنسائي من حديث جرير البجلي مثله ، وفيه مستدل بعمومه على الإسهام لجميع أنواع الخيل وبمفهومه على عدم الإسهام لبقية الدواب ) .

                                                                                                                                            3249 - ( وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ثلاث من أصل الإيمان : الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل ، والجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل ، والإيمان بالأقدار } . رواه أبو داود وحكاه أحمد في رواية ابنه عبد الله ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده ثقات إلا علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال وهو صدوق ، وبوب عليه أبو داود : باب في نسخ نفير العامة بالخاصة . وحسنه الحافظ في الفتح . وأخرج أبو داود عن ابن عباس أنه سأله نجدة بن نفيع عن هذه الآية : { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } قال : فأمسك عنه المطر وكان عذابهم . ونجدة بن نفيع الحنفي مجهول كما قال صاحب الخلاصة .

                                                                                                                                            وحديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده يزيد بن أبي نشبة وهو مجهول . وأخرجه أيضا سعيد بن منصور وفيه [ ص: 252 ] ضعف ، وله شواهد .

                                                                                                                                            قوله : ( نسختها الآية التي تليها " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " ) قال الطبري : يجوز أن يكون { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } خاصا ، والمراد به من استنفره النبي صلى الله عليه وسلم فامتنع . قال الحافظ : والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة وقد وافق ابن عباس على دعوى النسخ عكرمة والحسن البصري كما روى ذلك الطبري عنهما وزعم بعضهم أن قوله تعالى: { فانفروا ثبات } ناسخة لقوله تعالى: { انفروا خفافا وثقالا } وثبات جمع ثبة ومعناه جماعات متفرقة ، ويؤيده لقوله تعالىبعده : { أو انفروا جميعا } . قال الحافظ : والتحقيق أنه لا نسخ بل المرجع في الآيتين ، يعني هذه وقوله تعالى: { إلا تنفروا } مع قوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } إلى تعيين الإمام وإلى الحاجة .

                                                                                                                                            قوله : ( الخيل معقود . . . إلخ ) المراد بها المتخذة للغزو بأن يقاتل عليها أو ترتبط لأجل ذلك ، وقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا : { الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتسابا كان شبعها وجوعها وريها وظمؤها وأرواثها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة } . قوله : ( الأجر والمغنم ) بدل من قوله : " الخير " أو هو خبر مبتدإ محذوف : أي هو الأجر والمغنم . ووقع عند مسلم من رواية جرير : { فقالوا : لم ذاك يا رسول الله ؟ قال : الأجر والمغنم } . قال الطيبي : يحتمل أن يكون الخير الذي فسر بالأجر ، والمغنم : استعارة لظهوره وملازمته ، وخص الناصية لرفعة قدرها فكأنه شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على ما كان مرتفعا ، فنسب الخير إلى لازم المشبه به ، وذكر الناصية تجريد للاستعارة ، والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة ، قاله الخطابي وغيره .

                                                                                                                                            قالوا : ويحتمل أن يكون كنى بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال : فلان مبارك الناصية ، ويبعد ما رواه مسلم من حديث جرير قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بأصبعه } ويقول فذكر الحديث ، فيحتمل أن تكون خصت بذلك لكونها المقدم منها ; إشارة إلى أن الفضل في الإقدام بها على العدو دون المؤخر لما فيه من الإشارة إلى الإدبار . قوله : ( والجهاد ماض . . . إلخ ) فيه دليل على أن الجهاد لا يزال ما دام الإسلام والمسلمون إلى ظهور الدجال . وأخرج أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا من حديث أبي هريرة : { الجهاد ماض مع البر والفاجر } ولا بأس بإسناده إلا أنه من رواية مكحول عن أبي هريرة ولم يسمع منه . وأخرج أبو داود من حديث عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال } . قوله : ( لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ) فيه دليل على أنه لا فرق في حصول فضيلة الجهاد بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل [ ص: 253 ] أو الجائر . وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الجهاد فرض كفاية . وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الكتاب . وقد حكى في البحر عن العترة والشافعية أنه فرض كفاية وعن ابن المسيب أنه فرض عين . وعن قوم فرض عين في زمن الصحابة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية