الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : وأما رعاية الأحوال الدرجة الثانية من درجات الرعاية فهو أن يعد الاجتهاد مراءاة ، واليقين تشبعا ، والحال دعوى .

أي يتهم نفسه في اجتهاده أنه راءى الناس . فلا يطغى به . ولا يسكن إليه . ولا يعتد به .

وأما عده اليقين تشبعا . فالتشبع : افتخار الإنسان بما لا يملكه . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور .

وعد اليقين تشبعا : يحتمل وجهين : أحدهما : أن ما حصل له من اليقين لم يكن به ، ولا منه ، ولا استحقه بعوض . وإنما هو فضل الله وعطاؤه ، ووديعته عنده ، ومجرد منته عليه . فهو خلعة خلعها سيده عليه . والعبد وخلعته ملكه وله . فما للعبد في اليقين مدخل . وإنما هو متشبع بما هو ملك لله وفضله ومنته على عبده .

والوجه الثاني : أن يتهم يقينه ، وأنه لم يحصل له اليقين على الوجه الذي ينبغي ، بل ما حصل له منه هو كالعارية لا الملك المستقر ، فهو متشبع بزعم نفسه بأن اليقين ملكه وله . وليس كذلك . وهذا لا يختص باليقين ، بل بسائر الأحوال . فالصادق يعد صدقه تشبعا . وكذا المخلص يعد إخلاصه . وكذا العالم . لاتهامه لصدقه وإخلاصه وعلمه . وأنه لم ترسخ قدمه في ذلك . ولم يحصل له فيه ملكة . فهو كالمتشبع به .

ولما كان اليقين روح الأعمال وعمودها ، وذروة سنامها خصه بالذكر . تنبيها على ما دونه .

والحاصل أنه يتهم نفسه في حصول اليقين . فإذا حصل فليس حصوله به ولا منه ، ولا له فيه شيء ، فهو يذم نفسه في عدم حصوله . ولا يحمدها عند حصوله .

وأما عد الحال دعوى ؛ أي دعوى كاذبة ، اتهاما لنفسه ، وتطهيرا لها من رعونة [ ص: 64 ] الدعوى ، وتخليصا للقلب من نصيب الشيطان . فإن الدعوى من نصيب الشيطان . وكذلك القلب الساكن إلى الدعوى مأوى الشيطان . أعاذنا الله من الدعوى ومن الشيطان .

التالي السابق


الخدمات العلمية