الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ؛ هذه كلمة يوقف بها المخاطب على أمر يعجب منه؛ ولفظها لفظ استفهام؛ تقول في الكلام: " ألم تر إلى فلان صنع كذا؛ وصنع كذا؟ " ؛ وهذا مما أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة على أهل الكتاب؛ ومشركي العرب؛ لأنه نبأ لا يجوز أن يعلمه إلا من وقف عليه بقراءة كتاب؛ أو تعليم معلم؛ أو بوحي من الله - عز وجل -؛ فقد علمت العرب الذين نشأ بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمي؛ وأنه لم يعلم التوراة؛ والإنجيل؛ وأخبار من مضى من الأنبياء؛ فلم يبق وجه تعلم منه هذه الأحاديث إلا الوحي. وقوله - عز وجل -: أن آتاه الله الملك ؛ أي: آتى الكافر الملك؛ وهذا هو الذي عليه أهل التفسير؛ وعليه يصح [ ص: 341 ] المعنى؛ وقال قوم: إن الذي آتاه الله الملك إبراهيم - عليه السلام -؛ وقالوا: الله - عز وجل - لا يملك الكفار؛ وإنما قالوا هذا لذكره - عز وجل -: " آتاه الملك " ؛ والله قال: تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ؛ فتأويل إيتاء الله الكافر الملك ضرب من امتحانه الذي يمتحن الله به خلقه؛ وهو أعلم بوجه الحكمة فيه؛ والدليل على أن الكافر هو الذي كان ملك أنه قال: أنا أحيي وأميت ؛ وأنه دعا برجلين؛ فقتل أحدهما؛ وأطلق الآخر؛ فلولا أنه كان ملكا؛ وإبراهيم - عليه السلام - غير ملك لم يتهيأ له أن يقتل وإبراهيم الملك؛ وهو النبي - عليه السلام -؛ وأما معنى احتجاجه على إبراهيم بأنه يحيي ويميت؛ وترك إبراهيم مناقضته في الإحياء؛ والإماتة؛ فمن أبلغ ما يقطع به الخصوم ترك الإطالة والاحتجاج بالحجة المسكتة؛ لأن إبراهيم لما قال له: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ؛ كان جوابه على حسب ما أجاب في المسألة الأولى أن يقول: فأنا أفعل ذلك؛ فتبين عجزه؛ وكان في هذا إسكات الكافر؛ فقال الله - عز وجل -: فبهت الذي كفر ؛ وتأويله: انقطع وسكت متحيرا؛ يقال: " بهت الرجل؛ يبهت؛ بهتا " ؛ إذا انقطع وتحير؛ ويقال بهذا المعنى: " بهت الرجل يبهت " ؛ ويقال: " بهت الرجل؛ أبهته؛ بهتانا " ؛ إذا قابلته بكذب.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية