الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآيات متضمنة للبيان من الله سبحانه بأن أسلاف اليهود الموجودين في عصر محمد صلى الله عليه وآله وسلم تمردوا على موسى وعصوه كما تمرد هؤلاء على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وعصوه ، وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وآله وسلم ، وروي عن عبد الله بن كثير أنه قرأ : ( يا قوم اذكروا ) بضم الميم وكذا قرأ فيما أشبهه ، وتقديره : يا أيها القوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ؛ أي : وقت هذا الجعل ، وإيقاع الذكر على الوقت مع كون المقصود ما وقع فيه من الحوادث للمبالغة ؛ لأن الأمر بذكر الوقت أمر بذكر ما وقع فيه بطريق الأولى ، وامتن عليهم سبحانه بجعل الأنبياء فيهم مع كونه قد جعل أنبياء من غيرهم ، لكثرة من بعثه من الأنبياء منهم ، قوله : ( وجعلكم ملوكا ) أي وجعل منكم ملوكا ، وإنما حذف حرف الجر لظهور أن معنى الكلام على تقديره ، ويمكن أن يقال : إن منصب النبوة لما كان لعظم قدره وجلالة خطره بحيث لا ينسب إلى غير من هو له قال فيه : إذ جعل فيكم أنبياء ولما كان منصب الملك مما يجوز نسبته إلى غير من قال به كما تقول قرابة الملك : نحن الملوك ، قال فيه : ( وجعلكم ملوكا ) وقيل : المراد بالملك : أنهم ملكوا أمرهم بعد أن كانوا مملوكين لفرعون ، فهم جميعا ملوك بهذا المعنى ، وقيل : معناه أنه جعلهم ذوي منازل لا يدخل عليهم غيرهم إلا بإذن ، وقيل غير ذلك ، والظاهر أن المراد من الآية الملك الحقيقي ، ولو كان بمعنى آخر لما كان للامتنان به كثير معنى ، فإن قلت : قد جعل غيرهم ملوكا كما جعلهم ، قلت : قد كثر الملوك فيهم كما كثر الأنبياء ، فهذا وجه الامتنان .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين أي من المن والسلوى والحجر والغمام وكثرة الأنبياء وكثرة الملوك وغير ذلك ، والمراد عالمي زمانهم ، وقيل : إن الخطاب هاهنا لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو عدول عن الظاهر غير موجب ، والصواب ما ذهب إليه جمهور المفسرين من أنه من كلام موسى لقومه وخاطبهم بهذا الخطاب توطئة وتمهيدا لما بعده من أمره لهم بدخول الأرض المقدسة ، وقد اختلف في تعيينها ، فقال قتادة : هي الشام ، وقال مجاهد : الطور وما حوله ، وقال ابن عباس والسدي وغيرهما : أريحاء ، وقال الزجاج : دمشق وفلسطين وبعض الأردن ، وقول قتادة يجمع هذه الأقوال المذكورة بعده ، والمقدسة : المطهرة ، وقيل : المباركة التي كتب الله لكم أي : قسمها وقدرها لهم في سابق علمه وجعلها مسكنا لكم ولا ترتدوا على أدباركم أي : لا ترجعوا عن أمري وتتركوا طاعتي وما أوجبته عليكم من قتال الجبارين جبنا وفشلا ( فتنقلبوا ) [ ص: 364 ] بسبب ذلك ( خاسرين ) لخير الدنيا والآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين قال الزجاج : الجبار من الآدميين العاتي ، وهو الذي يجبر الناس على ما يريد ، وأصله على هذا من الإجبار وهو الإكراه ، فإنه يجبر غيره على ما يريده ، يقال : أجبره إذا أكرهه ، وقيل : هو مأخوذ من جبر العظم ، فأصل الجبار على هذا المصلح لأمر نفسه ، ثم استعمل في كل من جر إلى نفسه نفعا بحق أو باطل ، وقيل : إن جبر العظم راجع إلى معنى الإكراه ، قال الفراء : لم أسمع فعالا من أفعل إلا في حرفين ؛ جبار من أجبر ، ودراك من أدرك .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد هنا : أنهم قوم عظام الأجسام طوال متعاظمون ، قيل : هم قوم من بقية قوم عاد ، وقيل : هم من ولد عيص بن إسحاق ، وقيل : هم من الروم ، ويقال : إن منهم عوج بن عنق المشهور بالطول المفرط ، وعنق هي بنت آدم ، قيل : كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع ، قال ابن كثير : وهذا شيء يستحيا من ذكره ، ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص ثم قد ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا ، وأنه كان ولد زنية ، وأنه امتنع من ركوب السفينة ، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته ، وهذا كذب وافتراء ، فإن الله ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [ نوح : 26 ] ، وقال تعالى : فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين [ الشعراء : 119 ، 120 ] ، وقال تعالى : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم [ هود : 43 ] وإذا كان ابن نوح الكافر غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر ولد زنية ؟ هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع ، ثم في وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر ، والله أعلم ، انتهى كلامه .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : لم يأت في أمر هذا الرجل ما يقتضي تطويل الكلام في شأنه ، وما هذا بأول كذبة اشتهرت في الناس ، ولسنا بملزومين بدفع الأكاذيب التي وضعها القصاص ونفقت عند من لا يميز بين الصحيح والسقيم ، فكم في بطون دفاتر التفاسير من أكاذيب وبلايا وأقاصيص كلها حديث خرافة ، وما أحق من لا تمييز عنده لفن الرواية ولا معرفة به أن يدع التعرض لتفسير كتاب الله ، ويضع هذه الحماقات والأضحوكات في المواضع المناسبة لها من كتب القصاص .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فإن يخرجوا منها فإنا داخلون هذا تصريح بما هو مفهوم من الجملة التي قبل هذه الجملة لبيان أن امتناعهم من الدخول ليس إلا لهذا السبب ، قوله : ( قال رجلان ) هما يوشع وكالب بن يوفنا أو ابن فانيا ، وكانا من الاثني عشر نقيبا كما مر بيان ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ( من الذين يخافون ) أي : يخافون من الله عز وجل ، وقيل : من الجبارين ؛ أي : هذان الرجلان من جملة القوم الذين يخافون من الجبارين ، وقيل : من الذين يخافون ضعف بني إسرائيل وجبنهم ، وقيل : إن الواو في ( يخافون ) لبني إسرائيل ؛ أي : من الذين يخافهم بنو إسرائيل ، وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير ( يخافون ) بضم الياء ؛ أي : يخافهم غيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أنعم الله عليهما في محل رفع على أنه صفة ثانية لرجلان ، بالإيمان واليقين بحصول ما وعدوا به من النصر والظفر ادخلوا عليهم الباب أي : باب بلد الجبارين فإذا دخلتموه فإنكم غالبون قالا : هذه المقالة لبني إسرائيل ، والظاهر أنهما قد علما بذلك من خبر موسى ، أو قالاه ثقة بوعد الله ، أو كانا قد عرفا أن الجبارين قد ملئت قلوبهم خوفا ورعبا .

                                                                                                                                                                                                                                      ( قالوا ) أي بنو إسرائيل لموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها وكان هذا القول منهم فشلا وجبنا أو عنادا وجرأة على الله وعلى رسوله فاذهب أنت وربك فقاتلا قالوا هذا جهلا بالله عز وجل وبصفاته وكفرا بما يجب له ، أو استهانة بالله ورسوله ، وقيل : أرادوا بالذهاب الإرادة والقصد ، وقيل : أرادوا بالرب هارون ، وكان أكبر من موسى ، وكان موسى يطيعه إنا هاهنا قاعدون أي : لا نبرح هاهنا لا نتقدم معك ولا نتأخر عن هذا الموضع ، وقيل : أرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر ( قال ) موسى رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي يحتمل أن يعطف ( وأخي ) على ( نفسي ) وأن يعطف على الضمير في ( إني ) أي : إني لا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه ، قال هذا تحسرا وتحزنا واستجلابا للنصر من الله عز وجل فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين أي : افصل بيننا : يعني نفسه وأخاه وبين القوم الفاسقين وميزنا عن جملتهم ولا تلحقنا بهم في العقوبة ، وقيل : المعنى : فاقض بيننا وبينهم ، وقيل : إنما أراد في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عبيد بن عمير ( فافرق ) بكسر الراء ( قال فإنها ) أي : الأرض المقدسة ( محرمة عليهم ) أي : على هؤلاء العصاة بسبب امتناعهم من قتال الجبارين ( أربعين سنة ) ظرف للتحريم ؛ أي : أنه محرم عليهم دخولها هذه المدة لا زيادة عليها ، فلا يخالف هذا التحريم ما تقدم من قوله : ( التي كتب الله لكم ) فإنها مكتوبة لمن بقي منهم بعد هذه المدة ، وقيل : إنه لم يدخلها أحد ممن قال : ( إنا لن ندخلها ) فيكون توقيت التحريم بهذه المدة باعتبار ذراريهم ، وقيل : إن ( أربعين سنة ) ظرف لقوله : يتيهون في الأرض أي : يتيهون هذا المقدار فيكون التحريم مطلقا .

                                                                                                                                                                                                                                      والموقت : هو التيه ، وهو في اللغة الحيرة ، يقال منه : تاه يتيه تيها أو توها إذا تحير ، فالمعنى : يتحيرون في الأرض ، قيل : إن هذه الأرض التي تاهوا فيها كانت صغيرة نحو ستة فراسخ كانوا يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا ، وكانوا سيارة مستمرين على ذلك لا قرار لهم ، واختلف أهل العلم هل كان معهم موسى وهارون أم لا ؟ فقيل : لم يكونا معهم ؛ لأن التيه عقوبة ، وقيل : كانا معهم لكن سهل الله عليهما ذلك كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ، وقد قيل : كيف يقع هذا لجماعة من العقلاء في مثل هذه الأرض اليسيرة في هذه المدة الطويلة ؟ قال أبو علي : يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التي هم عليها إذا ناموا إلى [ ص: 365 ] المكان الذي ابتدءوا منه ، وقد يكون بغير ذلك من الأسباب المانعة من الخروج عنها على طريق المعجزة الخارقة للعادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : ( وجعلكم ملوكا ) قال : ملكهم الخدم ، وكانوا أول من ملك الخدم . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في الآية قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار سمي ملكا . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه في الآية قال : الزوجة والخادم والبيت . وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضا في قوله : ( وجعلكم ملوكا ) قال : المرأة والخدم وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين قال : الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكا . وأخرج ابن جرير والزبير بن بكار في الموقفيات عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من كان له بيت وخادم فهو ملك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود في مراسيله عن زيد بن أسلم في الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( زوجة ومسكن وخادم ) وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأله رجل : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ قال : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال : نعم ، قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال : نعم ، قال : فأنت من الأغنياء ، قال : إن لي خادما ، قال : فأنت من الملوك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : ( وجعلكم ملوكا ) قال : جعل لهم أزواجا وخدما وبيوتا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين قال : المن والسلوى والحجر والغمام . وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد ، عن ابن عباس في الآية قال : المن والسلوى والحجر والغمام ، وقد ثبت في الحديث الصحيح : من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وأخرج ابن جرير عنه في قوله : ( ادخلوا الأرض المقدسة ) قال : الطور وما حوله . وأخرج عنه أيضا قال : هي أريحاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن معاذ بن جبل قال : هي ما بين العريش إلى الفرات . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة قال : هي الشام . وأخرج ابن جرير ، عن السدي في قوله : التي كتب الله لكم قال : التي أمركم الله بها . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في الآية قال : أمر القوم بها كما أمرنا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين ، فسار بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة وهي أريحاء ، فبعث إليهم اثني عشر عينا من كل سبط منهم عين ليأتوه بخبر القوم ، فدخلوا المدينة فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجسمهم وعظمهم ، فدخلوا حائطا لبعضهم فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه ، فجعل يجتني الثمار فنظر إلى آثارهم فتتبعهم ، فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة حتى التقط الاثني عشر كلهم فجعلهم في كمه مع الفاكهة ، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال الملك : قد رأيتم شأننا وأمرنا اذهبوا فأخبروا صاحبكم ، قال : فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم ، فقال : اكتموا عنا ، فجعل الرجل يخبر أباه وصديقه ويقول : اكتم عني ، فأشيع ذلك في عسكرهم ولم يكتم منهم إلا رجلان يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وهما اللذان أنزل الله فيهما قال رجلان من الذين يخافون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي نحو هذا مما يتضمن المبالغة في وصف هؤلاء وعظم أجسامهم ، ولا فائدة في بسط ذلك فغالبه من أكاذيب القصاص كما قدمنا . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : ( فافرق ) يقول : اقض . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه يقول : افصل بيننا وبينهم . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة في قوله : فإنها محرمة عليهم قال : أبدا ، وفي قوله : يتيهون في الأرض قال : أربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : تاهوا أربعين سنة ، فهلك موسى وهارون في التيه ، وكل من جاوز الأربعين سنة ، فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون ، وهو الذي قام بالأمر بعد موسى ، وهو الذي افتتحها وهو الذي قيل له اليوم يوم جمعة ، فهموا بافتتاحها فدنت الشمس للغروب ، فخشي إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا ، فنادى الشمس : إني مأمور وأنت مأمورة فوقفت حتى افتتحها ، فوجد فيها من الأموال ما لم يرد مثله قط ، فقربوه إلى النار فلم تأت ، فقال : فيكم الغلول ، فدعا رءوس الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم والتصقت يد رجل منهم بيده ، فقال : الغلول عندك فأخرجه ، فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من ياقوت وأسنان من لؤلؤ ، فوضعه مع القربان فأتت النار فأكلتها . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق ولا تدرن .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية