الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3359 [ ص: 124 ] باب : قتل كعب بن الأشرف

                                                                                                                              زاد النووي : (طاغوت اليهود) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 161 - 163 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن عمرو، سمعت جابرا يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله. فقال: محمد بن مسلمة يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: نعم. قال ائذن لي. فلأقل قال: قل. فأتاه فقال له وذكر ما بينهما وقال إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عنانا فلما سمعه قال وأيضا والله لتملنه قال إنا قد اتبعناه الآن ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره قال وقد أردت أن تسلفني سلفا قال فما ترهنني قال ما تريد قال ترهنني نساءكم قال أنت أجمل العرب. أنرهنك نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر. ولكن نرهنك اللأمة يعني السلاح قال فنعم وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم قال سفيان قال: غير عمرو قالت له امرأته: إني لأسمع صوتا، كأنه صوت دم.

                                                                                                                              قال: إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب قال محمد إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه، فدونكم. قال فلما نزل، نزل [ ص: 125 ] وهو متوشح. فقالوا نجد منك ريح الطيب. قال: نعم. تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب. قال فتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم. فشم. فتناول فشم. ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن من رأسه. ثم قال: دونكم. قال: فقتلوه]
                                                                                                                              .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر) رضي الله عنه ، قال : قال : رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم : " من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله ") صلى الله عليه وآله وسلم . فقال محمد بن مسلمة) رضي الله عنه : يا رسول الله ! أتحب أن أقتله ؟ قال : "نعم" . قال : ائذن لي فلأقل) أي : أن أقول عني وعنك ما رأيته مصلحة ، من التعريض وغيره .

                                                                                                                              وفيه دليل على جواز التعريض . وهو أن يأتي بكلام باطنه صحيح .

                                                                                                                              ويفهم منه المخاطب غير ذلك . فهذا جائز في الحرب وغيرها ، ما لم يمنع به حقا شرعيا .

                                                                                                                              (قال : قل . فأتاه فقال له . وذكر ما بينهما . وقال : إن هذا الرجل قد أراد صدقة . وقد عنانا) . قال . النووي : هذا من التعريض الجائز ، بل المستحب . لأن معناه في الباطن : أنه أدبنا بآداب الشرع ، التي فيها تعب . لكنه تعب في مرضاة الله تعالى . فهو محبوب لنا . والذي فهم المخاطب منه : العناء الذي ليس بمحبوب .

                                                                                                                              [ ص: 126 ] (فلما سمعه قال : وأيضا . والله ! لتملنه) بفتح التاء والميم . أي : تتضجرن منه أكثر من هذا الضجر .

                                                                                                                              (قال : إنا قد اتبعناه الآن. ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره . قال : وقد أردت أن تسلفني سلفا . قال : فما ترهنني ؟ قال ما تريد . قال ترهنني نساءكم . قال : أنت أجمل العرب . أنرهنك نساءنا ؟ قال له : ترهنوني أولادكم . قال يسب ابن أحدنا ، فيقال : رهن في وسقين من تمر) . هكذا هو في بعض الروايات المعروفة ، في مسلم وغيره : "يسب ، بضم الياء وفتح السين المهملة . من السب . وحكى عياض عن رواية بعض رواة كتاب مسلم : " يشب " بفتح الياء وكسر الشين المعجمة . من الشباب . والصواب : الأول .

                                                                                                                              " والوسق " بفتح الواو وكسرها . وأصله : الحمل (ولكن نرهنك اللأمة) بالهمز . وفسرها في الكتاب بأنها : " السلاح" . وهو كما قال : (يعني : السلاح . قال : نعم) . وواعده أن يأتيه بالحارث ، وأبي عبس ابن جبر ، وعباد بن بشر) . أما " الحارث " ، فهو ابن أوس بن أخي سعد بن عبادة . وأما "أبو عبس" ، فاسمه عبد الرحمن . وقيل : عبد الله . والصحيح الأول . وهو ابن " جبر " . بفتح الجيم وإسكان الباء . كما ذكره في الكتاب . ويقال : " ابن جابر" . وهو أنصاري من كبار الصحابة . شهد بدرا وسائر المشاهد. وكان اسمه في الجاهلية : " عبد العزى " . وهو وقع في معظم النسخ : " وأبو عبس" بالواو . وفي بعضها : " وأبي عبس " بالياء ، وهذا ظاهر . والأول صحيح أيضا . ويكون معطوفا على الضمير في يأتيه .

                                                                                                                              [ ص: 127 ] (قال : فجاءوا فدعوه ليلا ، فنزل إليهم. قال سفيان : قال غير عمرو : قالت له امرأته : إني لأسمع صوتا ، كأنه صوت دم) . أي صوت طالب ، أو سافك دم . هكذا فسروه .

                                                                                                                              (قال : إنما هذا محمد ، ورضيعه وأبو نائلة) . هكذا هو في جميع النسخ .

                                                                                                                              قال عياض : قال لنا شيخنا القاضي الشهيد : صوابه أن يقال : وإنما هو محمد ، ورضيعه أبو نائلة " . وكذا ذكر أهل السير : أن أبا نائلة كان رضيعا لمحمد بن مسلمة . ووقع في صحيح البخاري : " ورضيعي أبو نائلة " . قال : وهذا عندي له وجه ، إن صح أنه كان رضيعا لمحمد . والله أعلم .

                                                                                                                              (إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب . قال محمد : إني إذا جاء ، فسوف أمد يدي إلى رأسه . فإذا استمكنت منه ، فدونكم . قال : فلما نزل ، نزل وهو متوشح . فقالوا : نجد منك ريح الطيب . قال : نعم . تحتي فلانة . هي أعطر نساء العرب . قال : أفتأذن لي أن أشم منه ؟ قال : نعم ، فشم . فتناول فشم . ثم قال : أتأذن لي أن أعود ؟ قال : فاستمكن من رأسه ، ثم قال : دونكم . فقتلوه) .

                                                                                                                              [ ص: 128 ] وفي هذه القصة : الحيلة والمخادعة ، من محمد بن مسلمة ، مع كعب ابن الأشرف . واختلف العلماء في سببها وجوابها ;

                                                                                                                              قال المازري : إنما قتله كذلك ، لأنه نقض عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهجاه ، وسبه . وكان عاهده أن لا يعين عليه أحدا .

                                                                                                                              ثم جاء مع أهل الحرب معينا عليه . قال: وقد أشكل قتله على هذا الوجه ، على بعضهم . ولم يعرف الجواب الذي ذكرناه .

                                                                                                                              قال عياض : قيل هذا الجواب . وقيل ; لأن " محمد بن مسلمة " لم يصرح له بأمان ، في شيء من كلامه . وإنما كلمه في أمر البيع والشراء . واشتكى إليه . وليس في كلامه عهد ولا أمان . قال: ولا يحل لأحد أن يقول : إن قتله كان غدرا. وقد قال ذلك إنسان في مجلس علي بن أبي طالب " رضي الله عنه " ، فأمر به علي : فضرب عنقه . وإنما يكون الغدر بعد أمان موجود . وكان كعب قد نقض عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولم يؤمنه محمد بن مسلمة ورفقته ، ولكنه استأنس بهم ، فتمكنوا منه من غير عهد ولا أمان . وأما ترجمة البخاري على هذا الحديث : بباب الفتك في الحرب ، فليس معناه الحرب . بل " الفتك " هو القتل على غرة وغفلة . والغيلة نحوه .

                                                                                                                              [ ص: 129 ] وقد استدل بهذا الحديث بعضهم ، على جواز اغتيال من بلغته الدعوة من الكفار وتبييته ، من غير دعاء إلى الإسلام .




                                                                                                                              الخدمات العلمية