الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الخامسة قوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .

                                                                                                                                                                                                              فيها ثمان مسائل : المسألة الأولى في التقوى : قد بينا حقيقة التقوى فيما تقدم ، فلا وجه لإعادته . المسألة الثانية روى زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال في قول الله عز وجل : { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } : يقول مطيعين قال : فلم يدر أحد ما حق تقاته من عظم حقه تبارك وتعالى . ولو اجتمع أهل السموات والأرض على أن يبلغوا حق تقاته ما بلغوا . قال : فأراد الله أن يعلم خلقه قدرته . ثم نسخها وهون على خلقه بقوله تبارك وتعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ، فلم يدع لهم مقالا . فلو قلت لرجل : اتق الله حق تقاته رأى أنك كلفته شططا من أمره . فإذا قلت : اتق الله ما استطعت رأى أنك لم تكلفه شططا ، وهي قوله : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } . نسختها الآية التي في النحل : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم } . المسألة الثالثة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال { : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه } .

                                                                                                                                                                                                              وقد ذكرناه في مواضع ، وها هنا ، فيما تقدم وبينا حكمة ربط الأمر بالاستطاعة ، وإطلاق النهي على الجملة ، وها هنا قد قرن النهي بالاستطاعة أيضا ، فقال : { فاتقوا الله ما استطعتم } . وعموم التقوى يتعلق بالأمر والنهي ، ومن النهي ما يقف على الاستطاعة ، وهو إذا [ ص: 230 ] تعلق بأمر مفعول . وقد حققناه في شرح الحديث وأصول الفقه .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة إن جماعة من المفسرين رووا أن هذه الآية : { اتقوا الله حق تقاته } لما نزلت قام قوم حتى تورمت أقدامهم ، وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } فنسخ ذلك ، وقد بيناه فيما تقدم وفي القسم الثاني من علوم القرآن ، وهو قسم الناسخ والمنسوخ .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية