الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين هذه الآية الكريمة مفصلة بعض التفصيل؛ لما تضمنه هلاك المسرفين في الآية السابقة؛ "وكم "؛ بمعنى الكثير؛ وهي مفعول لـ "قصمنا "؛ و "القصم "؛ هو التكسير والتهشيم؛ الذي تنفصل فيه الأجزاء عن بعضها؛ وهي تدل على الغضب؛ والهلاك يكون لأهل القرية؛ والمعنى: وكم قصمنا أهل قرية كانت ظالمة؛ وإني أرى كما رأى بعض المفسرين أن القصم كان في القرية نفسها؛ كما حدث لقوم لوط؛ إذ جعل عالي الأرض سافلها؛ وكما حصل لثمود؛ إذ جاءتهم ريح صرصر عاتية دمرتهم؛ وكما حدث لعاد؛ إلى آخره؛ وقوله: كانت ظالمة أي: أهلها ظالمون؛ فالظلم [ ص: 4837 ] لا يقع من البناء والأحجار؛ ولكن من الذين يحلون في القرية؛ فأسند الفعل إلى المحل؛ وأريد الحال.

                                                          وقوله (تعالى): وأنشأنا بعدها قوما آخرين أي أن هذه القرية التي قصمت وحطم بنيانها وأزيلت من الوجود؛ أنشأ بعدها قرية أخرى غير ظالم أهلها يسكنها قوم آخرون؛ وهنا أمران يوجبان الالتفات؛ أولهما أن الحديث عن القرية؛ ولكنه - سبحانه - قال: إنه لا ينشئ القرية مرة أخرى؛ إنما ينشئ قوما آخرين؛ وإنشاء قوم آخرين ينشئ قرية؛ وليس الأمر أمر البنيان؛ وإنما الأمر أمر من يسكنون البنيان؛ ووصفوا بـ "آخرين "؛ لبيان تباينهم عن الأولين.

                                                          الأمر الثاني: التعبير بـ "أنشأنا "؛ والتعبير بقوله: "بعدها "؛ فالذكر للبعدية بالنسبة للقرية؛ مع أن الإنشاء للأقوام الآخرين؛ وكان ذلك لأن الحديث عن قصم القرية؛ وتكسيرها وتهشيمها؛ وهو المظهر الحسي لهلاك الأقوام بهلاك قراهم؛ وأماكنهم التي كانوا بها يعيشون.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية