الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 84 ] أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما .

التصدير باسم الإشارة للتنبيه على أن ما يرد بعده كانوا أحرياء به لأجل ما ذكر قبل اسم الإشارة . وتلك مجموع إحدى عشرة خصلة وهي : التواضع ، والحلم ، والتهجد ، والخوف ، وترك الإسراف ، وترك الإقتار ، والتنزه عن الشرك ، وترك الزنا ، وترك قتل النفس ، والتوبة ، وترك الكذب ، والعفو عن المسيء ، وقبول دعوة الحق ، وإظهار الاحتياج إلى الله بالدعاء ، . واسم الإشارة هو الخبر عن قوله : ( وعباد الرحمن ) كما تقدم على أرجح الوجهين .

والغرفة : البيت المعتلي يصعد إليه بدرج وهو أعز منزلا من البيت الأرضي ، والتعريف في الغرفة تعريف الجنس فيستوي فيه المفرد والجمع مثل قوله تعالى : ( وأنزلنا معهم الكتاب ) فالمعنى : يجزون الغرف ، أي من الجنة ، قال تعالى : ( وهم في الغرفات آمنون ) والباء للسببية ، و ( ما ) مصدرية في قوله ( بما صبروا ) ، أي : بصبرهم وهو صبرهم على ما لقوا من المشركين من أذى ، وصبرهم على كبح شهواتهم لأجل إقامة شرائع الإسلام ، وصبرهم على مشقة الطاعات .

وقرأ الجمهور ( ويلقون ) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف المفتوحة مضارع لقاه إذا جعله لاقيا . وقرأه حمزة والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم وخلف ( ويلقون ) بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف المفتوحة مضارع لقي . واللقي واللقاء : استقبال شيء ومصادفته ، وتقدم في قوله تعالى : ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ) في سورة البقرة ، وفي قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ) في سورة الأنفال ، وتقدم قريبا قوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) .

وقد استعير اللقي لسماع التحية والسلام ، أي أنهم يسمعون ذلك في الجنة من غير أن يدخلوا على بأس أو يدخل عليهم بأس ، بل هم مصادفون تحية إكرام وثناء مثل تحيات العظماء والملوك التي يرتلها الشعراء والمنشدون .

[ ص: 85 ] ويجوز أن يكون إطلاق اللقي لسماع ألفاظ التحية والسلام لأجل الإيماء إلى أنهم يسمعون التحية من الملائكة يلقونهم بها ، فهو مجاز بالحذف قال تعالى : ( وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) في سورة الأنبياء .

وقوله : ( حسنت مستقرا ومقاما ) هو ضد ما قيل في المشركين ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) . والتحية تقدمت في قوله : ( وإذا حييتم بتحية ) في سورة النساء ، وفي قوله : ( وتحيتهم فيها سلام ) في سورة يونس ، وقوله ( تحية من عند الله مباركة طيبة ) في آخر النور .

التالي السابق


الخدمات العلمية