الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن هذا الباب أيضا شهادة أحد الزوجين للآخر

وقد اختلف الفقهاء فيها؛ فقال أبو حنيفة ؛ وأبو يوسف؛ ومحمد؛ وزفر؛ ومالك ؛ والأوزاعي ؛ والليث : "لا تجوز شهادة واحد منهما للآخر"؛ وقال الثوري : "تجوز شهادة الرجل لامرأته"؛ وقال الحسن بن صالح : "لا تجوز شهادة المرأة لزوجها"؛ وقال الشافعي : "تجوز شهادة أحد الزوجين للآخر ".

قال أبو بكر : هذا نظير شهادة الوالد للولد؛ والولد للوالد؛ وذلك من وجوه؛ أحدها أنه معلوم تبسط كل واحد من الزوجين في مال الآخر في العادة؛ وأنه كالمباح الذي لا يحتاج فيه إلى الاستئذان؛ فما يثبته الزوج لامرأته بمنزلة ما يثبته لنفسه؛ وكذلك ما تثبته المرأة لزوجها؛ ألا ترى أنه لا فارق في المعتاد بين تبسطه في مال الزوج والزوجة؛ وبينه في مال أبيه وابنه؟ ولما كان كذلك؛ وكانت شهادته لوالده؛ وولده؛ غير جائزة؛ كان كذلك حكم شهادة الزوج؛ والزوجة؛ وأيضا فإن شهادته لزوجته بمال توجب زيادة قيمة البضع الذي في ملكه; لأن مهر مثلها يزيد بزيادة مالها؛ فكان شاهدا لنفسه بزيادة قيمة ما هو ملكه.

وقد [ ص: 243 ] روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لعبد الله بن عمرو بن الحضرمي - لما ذكر له أن عبده سرق مرة لامرأته -: "عبدكم سرق مالكم؛ لا قطع عليه"؛ فجعل مال كل واحد منهما مضافا إليهما بالزوجية التي بينهما؛ فما يثبته كل واحد لصاحبه فكأنه يثبته لنفسه؛ ومن جهة أخرى أنه كلما كثر مال الزوج كانت النفقة التي تستحقها أكثر؛ فكأنها شاهدة لنفسها؛ إذ كانت مستحقة للنفقة بحق الزوجية في حالي الفقر؛ والغنى؛ فإن قال قائل: فالأخت الفقيرة؛ والأخ الزمن؛ يستحقان للنفقة على أخيهما؛ إذا كان غنيا؛ ولم يمنع ذلك جواز شهادتهما له؛ قيل له: ليست الأخوة موجبة للاستحقاق; لأن الغني لا يستحقها؛ مع وجود النسب؛ والفقير لا تجب عليه؛ مع وجود الأخوة؛ والزوجية سبب لاستحقاقها؛ فقيرا كان الزوج؛ أو غنيا؛ فكانت المرأة مثبتة بشهادتها لنفسها زيادة النفقة؛ مع وجود الزوجية الموجبة لها؛ والنسب ليس كذلك; لأنه غير موجب للنفقة؛ لوجوده بينهما؛ فلذلك اختلفا.

التالي السابق


الخدمات العلمية