الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [77] يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون .

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا أي : صلوا . وعبر عن الصلاة بهما ، لأنهما أعظم أركانها . أو اخضعوا له تعالى ، وخروا له سجدا ، لا لغيره : واعبدوا ربكم وافعلوا الخير أي : تحروه . كصلة الأرحام ومواساة الأيتام والحض على الإطعام والاتصاف بمكارم الأخلاق : لعلكم تفلحون أي : لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيهات :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : لم يختلف العلماء في السجدة الأولى من هذه السورة . واختلفوا في السجدة الثانية - هذه - فروي عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى ; أنهم قالوا : في الحج سجدتان . وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، يدل عليه ما روي عن عقبة بن عامر قال : قلت : يا رسول الله أفي الحج سجدتان ؟ قال : « نعم [ ص: 4382 ] ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما » . أخرجه الترمذي وأبو داود . وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين وقال : إن هذه السورة فضلت بسجدتين . أخرجه مالك في (" الموطأ " ) وذهب قوم إلى أن الحج سجدة واحدة ، وهي الأولى ، وليست هذه بسجدة وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك . بدليل أنه قرن السجود بالركوع . فدل ذلك أنه سجدة صلاة ، لا سجدة تلاوة - كذا في (" لباب التأويل " ) أي : لأن المعهود في مثله من كل آية ، قرن الأمر بالسجود فيها بالركوع ، كونه أمرا بما هو ركن للصلاة ، بالاستقراء نحو : واسجدي واركعي وإذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال .

                                                                                                                                                                                                                                      وما روي من الحديث المذكور ، قال الترمذي رحمه الله : إسناده ليس بالقوي . وكذا قال غيره كما في " شرح الهداية " لابن الهمام .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الخفاجي : لكن يرد عليه ما في " الكشف " أن الحق أن السجود حيث ثبت ، ليس من مقتضى خصوص في تلك الآية ، لأن دلالة الآية غير مقيدة بحال التلاوة البتة . بل إنما ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قوله . فلا مانع من كون الآية دالة على فرضية سجود الصلاة . ومع ذلك يشرع السجود عند تلاوتها ، لما ثبت من الرواية فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : قال في (" اللباب " ) اختلف العلماء في عدة سجود التلاوة . فذهب الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم إلى أنها أربع عشرة سجدة . لكن الشافعي قال : في الحج سجدتان . وأسقط سجدة (ص ) . وقال أبو حنيفة في الحج سجدة . وأثبت سجدة (ص ) وبه قال أحمد ، في إحدى الروايتين عنه . فعنده أن السجدات خمس عشرة سجدة . وذهب قوم إلى أن المفصل ليس فيه سجود . يروى ذلك عن أبي بن كعب وابن عباس . وبه قال مالك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4383 ] فعلى هذا يكون سجود القرآن إحدى عشرة سجدة . يدل عليه ما روي عن أبي الدرداء ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « في القرآن إحدى عشرة سجدة » . أخرجه أبو داود وقال : إسناده واه . ودليل من قال : في القرآن خمس عشرة سجدة ما روي عن عمرو بن العاص قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن خمس عشرة سجدة . منها ثلاث في المفصل . وفي سورة الحج سجدتان أخرجه أبو داود . وصح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في : اقرأ و : إذا السماء انشقت أخرجه مسلم . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      والخمس عشرة : في الأعراف ، والرعد ، والنحل ، والإسراء ، ومريم ، والحج ، والفرقان ، والنمل ، والم تنزيل ، وص ، وحم ، والسجدة ، والنجم ، والانشقاق ، واقرأ .

                                                                                                                                                                                                                                      والمفصل من سورة الحجرات إلى آخر القرآن ، في أصح الأقوال . سمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع . وبه قال مالك والشافعي وأحمد . لقول ابن عمر : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة ، فيسجد ونسجد معه ، حتى ما يجد أحدنا موضعا لجبهته . رواه الشيخان .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4384 ] وقال عمر : إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء . رواه البخاري وقوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية