الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خير ]

                                                          خير : الخير : ضد الشر ، وجمعه خيور ؛ قال النمر بن تولب :


                                                          ولاقيت الخيور وأخطأتني خطوب جمة وعلوت قرني



                                                          تقول منه : خرت يا رجل ، فأنت خائر ، وخار الله لك ؛ قال الشاعر :


                                                          فما كنانة في خير بخائرة     ولا كنانة في شر بأشرار



                                                          وهو خير منك وأخير . وقوله - عز وجل : تجدوه عند الله هو خيرا ؛ أي تجدوه خيرا لكم من متاع الدنيا . وفلانة الخيرة من المرأتين ، وهي الخيرة والخيرة والخورى والخيرى . وخاره على صاحبه خيرا وخيرة وخيره : فضله ؛ ورجل خير وخير ، مشدد ومخفف ، وامرأة خيرة وخيرة ، والجمع أخيار وخيار . وقال تعالى : وأولئك لهم الخيرات ؛ جمع خيرة ، وهي الفاضلة من كل شيء . وقال الله تعالى : فيهن خيرات حسان ؛ قال الأخفش : إنه لما وصف به ؛ وقيل : فلان خير ، أشبه الصفات فأدخلوا فيه الهاء للمؤنث ولم يريدوا به أفعل ؛ وأنشدأبو عبيدة لرجل من بني عدي تيم تميم ، جاهلي :


                                                          ولقد طعنت مجامع الربلات     ربلات هند خيرة الملكات



                                                          فإن أردت معنى التفضيل قلت : فلانة خير الناس ولم تقل خيرة ، وفلان خير الناس ولم تقل أخير ، لا يثنى ولا يجمع لأنه في معنى أفعل . وقال أبو إسحاق في قوله تعالى : فيهن خيرات حسان ؛ قال : المعنى أنهن خيرات الأخلاق حسان الخلق ، قال : وقرئ بتشديد الياء . قال الليث : رجل خير وامرأة خيرة فاضلة في صلاحها ، وامرأة خيرة في جمالها وميسمها ، ففرق بين الخيرة والخيرة واحتج بالآية ؛ قال أبو منصور : ولا فرق بين الخيرة والخيرة عند أهل اللغة ، وقال : يقال هي خيرة النساء وشرة النساء ؛ واستشهد بما أنشده أبو عبيدة :


                                                          ربلات هند خيرة الربلات



                                                          وقال خالد بن جنبة : الخيرة من النساء الكريمة النسب الشريفة الحسب الحسنة الوجه الحسنة الخلق الكثيرة المال التي إذا ولدت أنجبت . وقوله في الحديث : خير الناس خيرهم لنفسه ؛ معناه إذا جامل الناس جاملوه وإذا أحسن إليهم كافأوه بمثله ، وفي حديث آخر : خيركم خيركم لأهله ؛ هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها . ابن سيده : وقد يكون الخيار للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث . والخيار : خلاف الأشرار . والخيار : الاسم من الاختيار . وخايره فخاره خيرا : كان خيرا منه ، وما أخيره وما خيره ؛ الأخيرة نادرة . ويقال : ما أخيره وخيره وأشره وشره ، وهذا خير منه وأخير منه . ابن بزرج : قالوا هم الأشرون والأخيرون من الشرارة والخيارة ، وهو أخير منك وأشر منك في الخيارة والشرارة ، بإثبات الألف . وقالوا في الخير والشر : هو خير منك وشر منك ، وشرير منك وخيير منك ، وهو شرير أهله وخيير أهله . وخار خيرا : صار ذا خير ؛ وإنك ما وخيرا أي إنك مع خير ؛ معناه : ستصيب خيرا ، وهو مثل . وقوله - عز وجل : فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ؛ معناه إن علمتم أنهم يكسبون ما يؤدونه . وقوله تعالى : إن ترك خيرا ؛ أي مالا . وقالوا : لعمر أبيك الخير أي الأفضل أو ذي الخير . وروى ابن الأعرابي : لعمر أبيك الخير برفع الخير على الصفة ل ( لعمر ) ، قال : والوجه الجر ، وكذلك جاء في الشر . وخار الشيء واختاره : انتقاه ؛ قال أبو زيد الطائي :


                                                          إن الكرام على ما كان من خلق     رهط امرئ خاره للدين مختار



                                                          وقال : خاره مختار لأن خار في قوة اختار ؛ وقال الفرزدق :


                                                          ومنا الذي اختير الرجال سماحة     وجودا إذا هب الرياح الزعازع



                                                          أراد : من الرجال لأن اختار مما يتعدى إلى مفعولين بحذف حرف الجر ، تقول : اخترته من الرجال واخترته الرجال . وفي التنزيل العزيز : واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ؛ وليس هذا بمطرد . قال الفراء : التفسير أنه اختار منهم سبعين رجلا ، وإنما استجازوا وقوع الفعل عليهم إذا طرحت من لأنه مأخوذ من قولك هؤلاء خير القوم وخير من القوم ، فلما جازت الإضافة مكان من ولم يتغير المعنى [ ص: 187 ] استجازوا أن يقولوا : اخترتكم رجلا واخترت منكم رجلا ؛ وأنشد :


                                                          تحت التي اختار له الله الشجر



                                                          يريد : اختار له الله من الشجر ؛ وقال أبو العباس : إنما جاز هذا لأن الاختيار يدل على التبعيض ولذلك حذفت من . قال أعرابي : قلت لخلف الأحمر : ما خير اللبن للمريض ! بمحضر من أبي زيد ، فقال له خلف : ما أحسنها من كلمة لو لم تدنسها بإسماعها للناس ، وكان ضنينا ، فرجع أبو زيد إلى أصحابه فقال لهم : إذا أقبل خلف الأحمر فقولوا بأجمعكم : ما خير اللبن للمريض ؟ ففعلوا ذلك عند إقباله فعلم أنه من فعل أبي زيد . وفي الحديث : رأيت الجنة والنار فلم أر مثل الخير والشر ؛ قال شمر : معناه ، والله أعلم ، لم أر مثل الخير والشر ، لا يميز بينهما فيبالغ في طلب الجنة والهرب من النار . الأصمعي : يقال في مثل للقادم من سفر : خير ما رد في أهل ومال ! قال : أي جعل الله ما جئت خير ما رجع به الغائب . قال أبو عبيد : ومن دعائهم في النكاح : على يدي الخير واليمن ! قال : وقد روينا هذا الكلام في حديث عن عبيد بن عمير الليثي في حديث أبي ذر أن أخاه أنيسا نافر رجلا عن صرمة له وعن مثلها فخير أنيس فأخذ الصرمة ؛ معنى خير أي نفر ؛ قال ابن الأثير : أي فضل وغلب . يقال : نافرته فنفرته أي غلبته ، وخايرته فخرته أي غلبته ، وفاخرته ففخرته بمعنى واحد ، وناجبته فنجبته ؛ قال الأعشى :


                                                          واعترف المنفور للنافر



                                                          وقوله - عز وجل : وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ؛ قال الزجاج : المعنى ربك يخلق ما يشاء وربك يختار وليس لهم الخيرة وما كانت لهم الخيرة أي ليس لهم أن يختاروا على الله ؛ قال : ويجوز أن يكون ما في معنى الذي فيكون المعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة ، وهو ما تعبدهم به ، أي ويختار فيما يدعوهم إليه من عبادته ما لهم فيه الخيرة . واخترت فلانا على فلان : عدي بعلى لأنه في معنى فضلت ؛ وقول قيس بن ذريح :


                                                          لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعه     من الناس ما اختيرت عليه المضاجع



                                                          معناه : ما اختيرت على مضجعه المضاجع ، وقيل : ما اختيرت دونه ، وتصغير مختار مخير ، حذفت منه التاء لأنها زائدة ، فأبدلت من الياء لأنها أبدلت منها في حال التكبير . وخيرته بين الشيئين أي فوضت إليه الخيار . وفي الحديث : تخيروا لنطفكم ، أي اطلبوا ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعد من الخبث والفجور . وفي حديث عامر بن الطفيل : أنه خير في ثلاث ، أي جعل له أن يختار منها واحدة ، قال : وهو بفتح الخاء . وفي حديث بريرة : أنها خيرت في زوجها ، بالضم . فأما قوله : خير بين دور الأنصار ، فيريد فضل بعضها على بعض . وتخير الشيء : اختاره ، والاسم الخيرة والخيرة كالعنبة ، والأخيرة أعرف ، وهي الاسم من قولك : اختاره الله تعالى . وفي الحديث : محمد خيرة الله من خلقه وخيرة الله من خلقه ؛ والخيرة : الاسم من ذلك . ويقال : هذا وهذه وهؤلاء خيرتي ، وهو ما يختاره عليه . وقال الليث : الخيرة ، خفيفة ، مصدر اختار خيرة مثل ارتاب ريبة ، قال : وكل مصدر يكون لأفعل فاسم مصدره فعال مثل أفاق يفيق فواقا ، وأصاب يصيب صوابا ، وأجاب يجيب جوابا ، أقيم الاسم مكان المصدر ، وكذلك عذب عذابا . قال أبو منصور : وقرأ القراء : أن تكون لهم الخيرة ، بفتح الياء ، ومثله سبي طيبة ؛ قال الزجاج : الخيرة التخيير . وتقول : إياك والطيرة ، وسبي طيبة . وقال الفراء في قوله تعالى : وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ؛ أي ليس لهم أن يختاروا على الله . يقال : الخيرة والخيرة كل ذلك لما تختاره من رجل أو بهيمة يصلح إحدى هؤلاء الثلاثة .

                                                          والاختيار : الاصطفاء وكذلك التخير . ولك خيرة هذه الإبل والغنم وخيارها ، الواحد والجمع في ذلك سواء ، وقيل : الخيار من الناس والمال وغير ذلك النضار . وجمل خيار وناقة خيار : كريمة فارهة ؛ وجاء في الحديث المرفوع : أعطوه جملا رباعيا خيارا ؛ جمل خيار وناقة خيار أي مختار ومختارة . ابن الأعرابي : نحر خيرة إبله وخورة إبله ، وأنت بالخيار وبالمختار سواء ، أي اختر ما شئت . والاستخارة : طلب الخيرة في الشيء ، وهو استفعال منه . وفي الحديث : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في كل شيء . وخار الله لك أي أعطاك ما هو خير لك ، والخيرة ، بسكون الياء : الاسم من ذلك ؛ ومنه دعاء الاستخارة : اللهم خر لي أي اختر لي أصلح الأمرين واجعل لي الخيرة فيه . واستخار الله : طلب منه الخيرة . وخار لك في ذلك : جعل لك فيه الخيرة ؛ والخيرة الاسم من قولك : خار الله لك في هذا الأمر . والاختيار : الاصطفاء ، وكذلك التخير . ويقال : استخر الله يخر لك ، والله يخير للعبد إذا استخاره . والخير ، بالكسر الكرم . والخير : الشرف ؛ عن ابن الأعرابي . والخير : الهيئة . والخير : الأصل ؛ عن اللحياني . وفلان خيري من الناس أي صفيي . واستخار المنزل : استنظفه ؛ قال الكميت :


                                                          ولن يستخير رسوم الديار     بعولته ذو الصبا المعول



                                                          واستخار الرجل : استعطفه ودعاه إليه ؛ قال خالد بن زهير الهذلي :


                                                          لعلك إما أم عمرو     تبدلت سواك خليلا شاتمي تستخيرها



                                                          قال السكري : أي تستعطفها بشتمك إياي . الأزهري : استخرت فلانا أي استعطفته فما خار لي أي ما عطف ؛ والأصل في هذا أن الصائد يأتي الموضع الذي يظن فيه ولد الظبية أو البقرة فيخور خوار الغزال فتسمع الأم ، فإن كان لها ولد ظنت أن الصوت صوت ولدها فتتبع الصوت فيعلم الصائد حينئذ أن لها ولدا فتطلب موضعه ، فيقال : استخارها أي خار لتخور ، ثم قيل لكل من استعطف : استخار ، وقد تقدم في " خور " لأن ابن سيده قال : إن عينه واو . وفي الحديث : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ؛ الخيار : الاسم من الاختيار ، وهو طلب خير الأمرين : إما إمضاء البيع أو فسخه ، وهو على ثلاثة أضرب : خيار المجلس وخيار الشرط وخيار النقيصة ، أما خيار المجلس فالأصل فيه قوله : البيعان [ ص: 188 ] بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار ، أي إلا بيعا شرط فيه الخيار فلم يلزم بالتفرق ، وقيل : معناه إلا بيعا شرط فيه نفي خيار المجلس فلزم بنفسه عند قوم ، وأما خيار الشرط فلا تزيد مدته على ثلاثة أيام عند الشافعي أولها من حال العقد أو من حال التفرق ، وأما خيار النقيصة فأن يظهر بالمبيع عيب يوجب الرد أو يلتزم البائع فيه شرطا لم يكن فيه ونحو ذلك . واستخار الضبع واليربوع : جعل خشبة في موضع النافقاء فخرج من القاصعاء . قال أبو منصور : وجعل الليث الاستخارة للضبع واليربوع وهو باطل . والخيار : نبات يشبه القثاء ، وقيل : هو القثاء ، وليس بعربي . وخيار شنبر : ضرب من الخروب شجرة مثل كبار شجر الخوخ . وبنو الخيار : قبيلة ؛ وأما قول الشاعر :


                                                          ألا بكر الناعي بخيري بني أسد     بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد



                                                          فإنما ثناه لأنه أراد خيري فخففه ، مثل ميت وميت وهين وهين ؛ قال ابن بري : هذا الشعر لسبرة بن عمرو الأسدي يرثي عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة وكان النعمان قتلهما ، ويروى بخير بني أسد على الإفراد ، قال : وهو أجود ؛ قال : ومثل هذا البيت في التثنية قول الفرزدق :


                                                          وقد مات خيراهم فلم يخز رهطه     عشية بانا رهط كعب وحاتم



                                                          والخيري معرب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية