الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [18 ] صم بكم عمي فهم لا يرجعون

                                                                                                                                                                                                                                      "صم بكم عمي" الصمم : آفة مانعة من السماع ، سمي به فقدان حاسة السمع ، لما أن سببه اكتناز باطن الصماخ ، وانسداد منافذه ، بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموجه . والبكم : الخرس . والعمى : عدم البصر عما من شأنه أن يبصر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 57 ] وصفوا بذلك -مع سلامة حواسهم المذكورة- لما أنهم سدوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم ، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم ، فجعلوا كأنما أصيب بآفة مشاعرهم - كقوله - :


                                                                                                                                                                                                                                      صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا



                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      أصم عن الشيء الذي لا أريده     وأسمع خلق الله حين أريد



                                                                                                                                                                                                                                      "فهم لا يرجعون" أي : - بسبب اتصافهم بالصفات المذكورة - لا يعودون إلى الهدى - بعد أن باعوه ، أو عن الضلالة - بعد أن اشتروها ، فالآية الكريمة تتمة للتمثيل بأن ما أصابهم ليس مجرد انطفاء نارهم ، وبقائهم في ظلمات كثيفة هائلة- مع بقاء حاسة البصر بحالها- بل اختلت مشاعرهم جميعا، واتصفوا بتلك الصفات فبقوا جامدين في مكانهم لا يرجعون ، ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون ؟ وكيف يرجعون إلى ما ابتدأوا منه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية