الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 159 ] قالوا حديث يدفعه النظر وحجة العقل .

        7 - الطعن بالأنبياء .

        قالوا : رويتم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أنا أحق بالشك من أبي إبراهيم ، ورحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد ، ولو دعيت إلى ما دعي إليه يوسف لأجبت . قالوا : وهذا طعن على إبراهيم وطعن على لوط وطعن على نفسه - عليهم السلام .

        قال أبو محمد : ونحن نقول إنه ليس فيه شيء مما ذكروا بحمد الله تعالى ونعمته ، فأما قوله أنا أحق بالشك من أبي إبراهيم - عليه السلام - فإنه لما نزل عليه : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال قوم سمعوا الآية : شك إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يشك نبينا - صلى الله عليه وسلم . [ ص: 160 ] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا أحق بالشك من أبي إبراهيم - عليه السلام - تواضعا منه وتقديما لإبراهيم على نفسه ، يريد أنا لم نشك ونحن دونه ، فكيف يشك هو ؟ .

        وتأويل قول إبراهيم - عليه السلام - ولكن ليطمئن قلبي أي : يطمئن بيقين النظر .

        واليقين جنسان : أحدهما يقين السمع ، والآخر يقين البصر ، ويقين البصر أعلى اليقينين ، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس المخبر كالمعاين حين ذكر قوم موسى وعكوفهم على العجل .

        قال : أعلمه الله تعالى أن قومه عبدوا العجل فلم يلق الألواح ، فلما عاينهم عاكفين غضب وألقى الألواح ، حتى انكسرت وكذلك المؤمنون بالقيامة والبعث والجنة والنار مستيقنون أن ذلك كله حق ، وهم في القيامة عند النظر والعيان أعلى يقينا ، فأراد إبراهيم - عليه السلام - أن يطمئن قلبه بالنظر الذي هو أعلى اليقينين .

        وأما قوله : رحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد فإنه أراد قوله لقومه : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد يريد سهوه في هذا الوقت الذي ضاق فيه صدره ، واشتد جزعه بما دهمه من قومه ، حتى قال : أو آوي إلى ركن شديد وهو يأوي إلى الله تعالى أشد الأركان . [ ص: 161 ] قالوا : فما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في ثروة من قومه .

        وأما قوله لو دعيت إلى ما دعي إليه يوسف لأجبت يعني : حين دعي للإطلاق من الحبس بعد الغم الطويل فقال للرسول ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ولم يخرج من الحبس في وقته ، يصفه بالأناة والصبر .

        وقال لو كنت مكانه ثم دعيت إلى ما دعي إليه من الخروج إلى الحبس لأجبت ولم أتلبث .

        وهذا أيضا جنس من تواضعه لا أنه كان عليه ، لو كان مكان يوسف فبادر وخرج ، أو على يوسف - لو خرج من الحبس مع الرسول - نقص ولا إثم ، وإنما أراد أنه لم يكن يستثقل محنة الله - عز وجل - له فيبادر ويتعجل ، ولكنه كان صابرا محتسبا .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية