الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : في تفسير المحيض وهو مفعل ، من حاض يحيض إذا سال حيضا ، تقول العرب : حاضت الشجرة والسمرة : إذا سالت رطوبتها ، وحاض السيل : إذا سال قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                              أجالت حصاهن الذواري وحيضت عليهن حيضات السيول الطواحم

                                                                                                                                                                                                              وهو عبارة عن الدم الذي يرخيه الرحم فيفيض ، ولها ثمانية أسماء : الأول : حائض . الثاني : عارك . الثالث : فارك . الرابع : طامس . الخامس : دارس . السادس : كابر . السابع : ضاحك . الثامن : طامث .

                                                                                                                                                                                                              قال مجاهد في قوله تعالى : { فضحكت } يعني حاضت . وقال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                              ويهجرها يوما إذا هي ضاحك

                                                                                                                                                                                                              وقال أهل التفسير : { فلما رأينه أكبرنه } يعني حضن ، وأنشدوا في ذلك : [ ص: 222 ]

                                                                                                                                                                                                              يأتي النساء على أطهارهن ولا     يأتي النساء إذا أكبرن إكبارا

                                                                                                                                                                                                              . المسألة الرابعة : المحيض ، مفعل ، من حاض ، فعن أي شيء كون . عبارة عن الزمان أم عن المكان أم عن المصدر حقيقة أم مجاز ؟ وقد قيل : إنه عبارة عن زمان الحيض وعن مكانه ، وعن الحيض نفسه . وتحقيقه عند مشيخة الصنعة قالوا : إن الاسم المبني من فعل يفعل للموضع مفعل بكسر العين كالمبيت والمقيل ، والاسم المبني منه على مفعل بفتح العين يعبر به عن المصدر كالمضرب ، تقول : إن في ألف درهم لمضربا ، أي ضربا ومنه قوله تعالى : { وجعلنا النهار معاشا } أي عيشا .

                                                                                                                                                                                                              وقد يأتي المفعل بكسر العين للزمان ، كقولنا : مضرب الناقة أي زمان ضرابها .

                                                                                                                                                                                                              وقد يبنى المصدر أيضا عليه ، إلا أن الأصل ما تقدم . وذلك لقوله تعالى : { إلى الله مرجعكم } أي رجوعكم ، ولقوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض } أي عن الحيض .

                                                                                                                                                                                                              وإذا علمت هذا من قولهم ، فالصحيح عندي أن كل فعل لا بد لكل متعلق من متعلقاته من بناء يختص به قصدا للتمييز بين المعاني بالألفاظ المختصة بها ، وهي سبعة : الفاعل ، والمفعول ، والزمان ، والمكان ، وأحوال الفعل الثلاثة من ماض ، ومستقبل ، وحال ، ويتداخلان ، ثم يتفرع إلى عشرة وإلى أكثر منها بحسب تزايد المتعلقات .

                                                                                                                                                                                                              وكل واحد من هذه الأبنية يتميز بخصصيته اللفظية عن غيره تميزه بمعناه ، وقد يتميز ببنائه في حركاته وتردداته المتصلة وتردداته المنفصلة ، كقولك : معه ، وله ، وبه ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                              فإذا وضع العربي أحدهما موضع الآخر جاز ، وهذا على جهة الاستعارة ، وهذا بين للمنصف استقصيناه من كتاب ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين " ; فإذا ثبت هذا وقلت معنى قوله تعالى : { ويسألونك عن [ ص: 223 ] المحيض } زمان الحيض صح ، ويكون حينئذ مجازا على تقدير محذوف دل عليه السبب الذي كان السؤال بسببه ، تقديره : ويسألونك عن الوطء في زمان الحيض .

                                                                                                                                                                                                              وإن قلت : إن معناه موضع الحيض كان مجازا في مجاز على تقدير محذوفين تقديره : { ويسألونك عن المحيض } أي : عن الوطء في موضع الحيض حالة الحيض ; لأن أصل اسم الموضع يبقى عليه وإن زال الذي لأجله سمي به ; فلا بد من تقدير تحقيق في هذا الاحتمال ، لظهور المجاز فيه .

                                                                                                                                                                                                              وإن قلت معناه : ويسألونك عن الحيض ، كان مجازا على تقدير محذوف واحد ، تقديره : ويسألونك عن منع الحيض ; وهذا كله متصور متقرر على رواية مجاهد وثابت بن الدحداحة ، وحديث أنس متقدر عليها كلها تقديرا صحيحا ; فيتبين عند التنزيل فلا يحتاج إلى بسطه بتطويل .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية