الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة يونس

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( الر تلك آيات الكتاب الحكيم ( 1 ) ) .

قد تقدم القول على الحروف المقطعة في أول البقرة ، والأعراف ، ويقاس الباقي عليهما . و ( الحكيم ) : بمعنى المحكم . وقيل : هو بمعنى الحاكم .

قال تعالى : ( أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( أكان للناس عجبا أن أوحينا ) : اسم كان . وخبرها عجبا ، و ( للناس ) : حال من عجب ; لأن التقدير أكان عجبا للناس . وقيل : هو متعلق بكان . وقيل : هو يتعلق بعجب على التبيين . وقيل : ( عجب ) : هنا بمعنى معجب ; والمصدر إذا وقع موقع اسم مفعول أو فاعل ، جاز أن يتقدم معموله عليه كاسم المفعول .

( أن أنذر الناس ) : يجوز أن تكون أن مصدرية ، فيكون موضعها نصبا بأوحينا ، وأن تكون بمعنى أي ، فلا يكون لها موضع .

قال تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ( 3 ) ) قوله تعالى : ( يدبر الأمر ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا .

قال تعالى : ( إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ( 4 ) ) [ ص: 4 ] قوله تعالى : ( وعد الله ) : هو منصوب على المصدر بفعل دل عليه الكلام ، وهو قوله : ( إليه مرجعكم ) ; لأن هذا وعد منه سبحانه بالبعث .

و ( حقا ) : مصدر آخر ، تقديره حق ذلك حقا .

( إنه يبدأ ) : الجمهور على كسر الهمزة على الاستئناف ; وقرئ بفتحها; والتقدير : حق أنه يبدأ ، فهو فاعل . ويجوز أن يكون التقدير : لأنه يبدأ . وماضي يبدأ : بدأ ، وفيه لغة أخرى : أبدأ . ( بما كانوا ) : في موضع رفع صفة أخرى لعذاب ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف .

قال تعالى : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( جعل الشمس ضياء ) : مفعولان ; ويجوز أن يكون ( ضياء ) حالا ، وجعل بمعنى خلق ، والتقدير : ذات ضياء .

وقيل الشمس هي الضياء . والياء منقلبة عن واو ، لقولك ضوء ، والهمزة أصل . ويقرأ بهمزتين بينهما ألف . والوجه فيه أن يكون أخر الياء وقدم الهمزة ، فلما وقعت الياء طرفا بعد ألف زائدة قلبت همزة عند قوم ، وعند آخرين ألفا ، ثم قلبت الألف همزة لئلا يجتمع ألفان . ( والقمر نورا ) : أي ذا نور . وقيل المصدر بمعنى فاعل ; أي منيرا . ( وقدره منازل ) : أي وقدر له ، فحذف حرف الجر . وقيل التقدير : قدره ذا منازل . " وقدر " على هذا متعدية إلى مفعولين ; لأن معناه جعل وصير .

ويجوز أن يكون قدر متعديا إلى واحد بمعنى خلق . ومنازل : حال ، أي منتقلا .

قال تعالى : ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون ( 7 ) أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( إن الذين لا يرجون ) : خبر إن : ( أولئك مأواهم النار ) ; فأولئك مبتدأ ، ومأواهم مبتدأ ثان ، والنار خبره ، والجملة خبر أولئك . ( بما كانوا ) : الباء متعلقة بفعل محذوف دل عليه الكلام ; أي جوزوا بما كانوا يكسبون .

التالي السابق


الخدمات العلمية