الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2307 - مسألة : السحق [ ص: 404 ] قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في السحق : فقالت طائفة : تجلد كل واحدة منهما مائة - كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق ثني ابن جريج أخبرني ابن شهاب قال : أدركت علماءنا يقولون في المرأة تأتي المرأة ب " الرفعة " وأشباهها يجلدان مائة - الفاعلة والمفعول بها .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب بمثل ذلك .

                                                                                                                                                                                          ورخصت فيه طائفة - كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني من أصدق عن الحسن البصري أنه كان لا يرى بأسا بالمرأة تدخل شيئا ، تريد الستر تستغني به عن الزنى .

                                                                                                                                                                                          وقال آخرون - هو حرام ولا حد فيه ، وفيه التعزير ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب أن ننظر في ذلك : فنظرنا في قول الزهري فلم نجد له حجة أصلا ، إلا أن يقول قائل : كما جعل فعل قوم لوط أشد الزنى ، فجعلوا فيه أعظم حد في الزنى ، فكذلك هذا أقل الزنى ، فجعل فيه أخف حد الزنى ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : وهذا قياس لازم واجب على من جعل الرجم في فعل قوم لوط ، لأنه أعظم من الزنى ، ولا مخلص لهم من هذا أصلا ، وأن يجعلوا " السحق " أيضا أشد الزنى ، كفعل قوم لوط ، فيلزمهم أن يجعلوا فيه الرجم ، كما جعلوا في فعل قوم لوط ولا بد ، لأن كلا الأمرين عدول بالفرج إلى ما لا يحل أبدا .

                                                                                                                                                                                          ولكن القوم لا يحسنون القياس ، ولا يعرفون الاستدلال ، ولا يطردون أقوالهم ، ولا يلزمون تعليلهم ، ولا يتعلقون بالنصوص ، وهلا قالوا هاهنا : إن الزهري أدرك الصحابة وكبار التابعين ؟ فلا يقول هذا إلا عنهم ، ولا نعرف خلافا في ذلك ممن يرى تحريم هذا العمل ، فيأخذون بقوله ، كما كانوا يفعلون لو وافق تقليدهم ؟ قال أبو محمد رحمه الله : وأما نحن فإن القياس باطل عندنا ، ولا يلزم اتباع قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم " والسحق " " والرفعة " ليسا زنى ، فإذ ليسا زنى فليس فيهما حد الزنى ، ولا لأحد أن يقسم برأيه - أعلى وأخف - فيقسم الحدود في ذلك كما [ ص: 405 ] يشتهي بل هو تعد لحدود الله تعالى ، وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى - وهو يقول تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } .

                                                                                                                                                                                          وإنما يلزم هذا من قامت عليه الحجة فتمادى على الخطأ ناصرا للتقليد ؟ قال أبو محمد رحمه الله : وإذ لم يأت بمثل قول الزهري قرآن ، ولا سنة صحيحة ، فالأبشار محرمة والحدود ، فلا حد في هذا أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          فإن ذكروا : ما ناه أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن وضاح نا هشام بن خالد نا بقية بن الوليد ثني عثمان بن عبد الرحمن ني عنبسة بن سعيد نا مكحول عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { السحاق زنى بالنساء بينهن } فإن هذا لا يصح ، لأنه عن بقية - وهو ضعيف - ولم يدرك مكحولا ، وواثلة ، فهو منقطع .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لما كان فيه ما يوجب الحكم بالحد في ذلك ، لأنه عليه السلام قد بين في حديث الأسلمي ما هو الزنى الموجب للحد ، وإنما هو إتيان الرجل من المرأة حراما ما يأتي من أهله حلالا .

                                                                                                                                                                                          وأخبر عليه السلام أن الأعضاء تزني ، وأن الفرج يكذب ذلك أو يصدقه فصح أن لا زنى بين رجل وامرأة إلا بالفرج الذي هو الذكر في الفرج الذي هو مخرج الولد فقط .

                                                                                                                                                                                          ولقد كان يلزم هذا الخبر من رأى برأيه أن فعل قوم لوط أعظم الزنى ، فإنه ليس معهم فيه نص أصلا ، ولو وجدوا مثل هذا لطغوا وبغوا .

                                                                                                                                                                                          فسقط هذا جملة واحدة .

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا في قول الحسن في إباحة ذلك - فوجدناه خطأ ، لأن الله تعالى يقول : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } إلى قوله { العادون } .

                                                                                                                                                                                          وصح بالدليل من القرآن ، وبالإجماع : أن المرأة لا تحل لملك يمينها وأنه منها ذو محرم ، لأن الله تعالى أسقط الحجاب عن أمهات المؤمنين عن عبيدهن مع ذي محارمهن من النساء . [ ص: 406 ] فصح أن العبد من سيده ذو محرم فالمرأة إذا أباحت فرجها لغير زوجها فلم تحفظه ، فقد عصت الله تعالى بذلك - وصح أن بشرتها محرمة على غير زوجها الذي أبيحت له بالنص ، فإذا أباحت بشرتها لامرأة أو رجل غير زوجها فقد أباحت الحرام .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا زيد بن الحباب - هو العكلي - نا الضحاك بن عثمان - هو الحزامي - أخبرني زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفض الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفض المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو الأحوص - هو سلام بن سليم - عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل - هو شقيق بن سلمة - عن عبد الله بن مسعود قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباشر المرأة المرأة في ثوب واحد - لعل أن تصفها إلى زوجها كأن ينظر إليها } .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار - بندار - أنا محمد بن جعفر - غندر - نا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فهذه نصوص جلية على تحريم مباشرة الرجل الرجل ، والمرأة المرأة ، على السواء ، فالمباشرة منها لمن نهى عن مباشرته عاص لله تعالى ، مرتكب حراما على السواء ، فإذا استعملت بالفروج كانت حراما زائدا ، ومعصية مضاعفة ، والمرأة إذا أدخلت فرجها شيئا غير ما أبيح لها من فرج زوجها ، أو ما ترد به الحيض ، فلم تحفظ فرجها ، وإذ لم تحفظه فقد زادت معصية - فبطل قول الحسن في ذلك - وبالله تعالى التوفيق [ ص: 407 ] قال أبو محمد رحمه الله : فإذ قد صح - أن " المرأة المساحقة " للمرأة عاصية ، فقد أتت منكرا ، فوجب تغيير ذلك باليد ، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من رأى منكرا أن يغيره بيده " فعليها التعزير قال أبو محمد رحمه الله : فلو عرضت فرجها شيئا دون أن تدخله حتى ينزل فيكره هذا ، ولا إثم فيه - وكذلك " الاستمناء " للرجال سواء سواء ، لأن مس الرجل ذكره بشماله مباح ، ومس المرأة فرجها كذلك مباح ، بإجماع الأمة كلها ، فإذ هو مباح فليس هنالك زيادة على المباح ، إلا التعمد لنزول المني ، فليس ذلك حراما أصلا ، لقول الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } وليس هذا مما فصل لنا تحريمه فهو حلال ، لقوله تعالى : { خلق لكم ما في الأرض جميعا } إلا أننا نكرهه ، لأنه ليس من مكارم الأخلاق ، ولا من الفضائل .

                                                                                                                                                                                          وقد تكلم الناس في هذا فكرهته طائفة وأباحته أخرى : كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان عن مجاهد قال : سئل ابن عمر عن الاستمناء ؟ فقال : ذلك نائك نفسه .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي رزين عن أبي يحيى عن ابن عباس أن رجلا قال له : إني أعبث بذكري حتى أنزل ؟ قال : أف ، نكاح الأمة خير منه ، وهو خير من الزنى .

                                                                                                                                                                                          وإباحة قوم - كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن رجل عن ابن عباس أنه قال : وما هو إلا أن يعرك أحدكم زبه حتى ينزل الماء .

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار - بندار - أنا محمد بن جعفر - غندر - نا شعبة عن قتادة عن رجل عن ابن عمر أنه قال : إنما هو عصب تدلكه . [ ص: 408 ]

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى قتادة عن العلاء بن زياد عن أبيه أنهم كانوا يفعلونه في المغازي " يعني الاستمناء " يعبث الرجل بذكره يدلكه حتى ينزل - قال قتادة : وقال الحسن في الرجل يستمني يعبث بذكره حتى ينزل ، قال : كانوا يفعلون في المغازي .

                                                                                                                                                                                          وعن جابر بن زيد أبي الشعثاء قال : هو ماؤك فأهرقه " يعني الاستمناء " .

                                                                                                                                                                                          وعن مجاهد قال : كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك - قال عبد الرزاق : وذكره معمر عن أيوب السختياني ، أو غيره عن مجاهد عن الحسن : أنه كان لا يرى بأسا بالاستمناء .

                                                                                                                                                                                          وعن عمرو بن دينار : ما أرى بالاستمناء بأسا ؟ قال أبو محمد رحمه الله : الأسانيد عن ابن عباس ، وابن عمر في كلا القولين - مغموزة .

                                                                                                                                                                                          لكن الكراهة صحيحة عن عطاء .

                                                                                                                                                                                          والإباحة المطلقة صحيحة عن الحسن .

                                                                                                                                                                                          وعن عمرو بن دينار ، وعن زياد أبي العلاء ، وعن مجاهد .

                                                                                                                                                                                          ورواه من رواه من هؤلاء عمن أدركوا - وهؤلاء - كبار التابعين الذين لا يكادون يروون إلا عن الصحابة رضي الله عنهم ؟ قال أبو محمد رحمه الله : وقد جاء في المرأة تفتض المرأة بأصبعها آثار : كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء عن علي بن أبي طالب ، والحسن بن علي : أن الحسن أفتى في المرأة افتضت أخرى بأصبعها وأمسكها نسوة لذلك : أن العقل بينهن - وقضى علي بذلك .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور ، ومغيرة ، قال منصور عن [ ص: 409 ] الحكم بن عتيبة ، وقال مغيرة عن إبراهيم ، ثم اتفق الحكم ، وإبراهيم عن علي ، والحسن : أن الحسن أفتى في امرأة افتضت امرأة بأصبعها أن عليها والممسكات الصداق بينهن - هكذا قال المغيرة .

                                                                                                                                                                                          وقال الحكم في روايته : على المفتضة وحدها - واتفقا أن عليا قضى بذلك .

                                                                                                                                                                                          وعن الزهري - لو افتضت امرأة بأصبعها غرمت صداقها ، كصداق امرأة من نسائها .

                                                                                                                                                                                          وعن عياض بن عبيد الله قاضي أهل مصر : كتب إلى عمر بن عبد العزيز في صبي افترع صبية بأصبعه ؟ فكتب إليه عمر : لم يبلغني في هذا شيء ، وقد جمعت لذلك ، فاقض فيه برأيك ، فقضى لها على الغلام بخمسين دينارا ؟ قال أبو محمد رحمه الله : هذا عن علي مرسل .

                                                                                                                                                                                          وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .

                                                                                                                                                                                          فلا يجوز أن يقضى هاهنا بصداق ، لأنه ليس زواجا ، ولا صداق إلا في نكاح زواج - إذ لم يوجبه في غير ذلك نص ، ولا إجماع ، فسواء كان المفتض بأصبعه رجلا أو امرأة : لا غرامة في ذلك أصلا ، لأن الله تعالى لم يوجب في ذلك غرامة ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          فإن شنعوا - فإن هذا قول علي ، والحسن بن علي ؟ قلنا لهم : فإن هذين الخبرين ليس فيهما إيجاب نكال على المفتض والمفتضة أصلا ، وأنتم توجبون في ذلك الأدب ، وهذا خلاف منكم لما تشنعون به من حكم علي ، والحسن - رضي الله عنهما - وعار هذا وإثمه إنما يلزم من أوجب فرضا اتباع ما روي عن الصاحب ، ثم هو مع ذلك أول مخالف له .

                                                                                                                                                                                          وأما نحن فلا يلزم عندنا اتباع أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ، فلا حرج علينا في مخالفة ما لا نراه واجبا ، ولكن على المفتض بأصبعه امرأة ، والمفتضة بأصبعها امرأة ، ومدخل شيء في دبر آخر : التعزير ، لأن كل ما ذكرنا معصية ومنكر ، لقول رسول الله : [ ص: 410 ] صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام } .

                                                                                                                                                                                          وهؤلاء قد انتهكوا بشرة محرمة ، فأتوا منكرا ، ومن أتى منكرا ففرض عليه تغييره باليد ، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فواجب على من فعل ذلك ، أو غيره من المنكرات : التعزير على ما نذكره - إن شاء الله تعالى - بعد هذا .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : ولم يقل أحد نعلمه : إن في شيء من هذا حد زنى ، ولا حدا محدودا ، ولا فرق بينه وبين سائر ما أوجبوا فيه الحدود مما لا نص فيه يصح - وبالله تعالى التوفيق ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية