الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى

                                                                                                                                                                                                                                      وكان نجواهم ما نطق به قوله تعالى : قالوا أي : بطريق التناجي والإسرار إن هذان لساحران إلخ . فإنه تفسير له ، ونتيجة لتنازعهم وخلاصة ما استقرت عليه آراؤهم بعد التناظر والتشاور . وإن مخففة من "أن" قد أهملت عن العمل ، واللام فارقة . وقرئ بتشديد نون "هذان" . وقيل : هي نافية ، واللام بمعنى : إلا أي: ما هذان إلا ساحران . وقرئ : "إن" بالتشديد ، و"هذان" اسمها على لغة بلحارث بن كعب فإنهم يعربون التثنية تقديرا ، وقيل : اسمها ضمير الشأن المحذوف "وهذان لساحران" خبرها . وقيل : "إن" بمعنى "نعم" ، وما بعدها جملة من مبتدإ وخبر ، وفيهما أن اللام لا تدخل خبر المبتدإ . وقيل : أصله : إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير ، وفيه أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف . وقرئ : "إن هذين لساحران" وهي قراءة واضحة .

                                                                                                                                                                                                                                      يريدان أن يخرجاكم من أرضكم أي : أرض مصر ، بالاستيلاء عليها بسحرهما الذي أظهراه من قبل ويذهبا بطريقتكم المثلى أي : بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب وأمثلها ، بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما ، يريدون به ما كان عليه قوم فرعون لا طريقة السحر ، فإنهم ما كانوا يعتقدونه دينا ، وقيل : أرادوا أهل طريقتكم ، وهم بنو إسرائيل ، لقول موسى عليه الصلاة والسلام : أرسل معنا بني إسرائيل وكانوا أرباب علم فيما بينهم ، ويأباه أن إخراجهم من أرضهم إنما يكون الاستيلاء عليها تمكنا وتصرفا ، فكيف يتصور حينئذ نقل بني إسرائيل إلى الشام ؟ ، وحمل الإخراج على إخراج بني إسرائيل منها مع بقاء قوم فرعون على حالهم مما يجب تنـزيه التنزيل عن أمثاله ، على أن هذه المقالة منهم للإغراء بالمبالغة في المغالبة والاهتمام بالمناصبة ، فلا بد أن يكون الإنذار والتحذير بأشد المكاره وأشقها عليهم ، ولا ريب في أن إخراج بني إسرائيل من بنيهم والذهاب بهم إلى الشام وهم آمنون في ديارهم ليس فيه كثير محذور . وقيل : الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم ، لما أنهم قدوة لغيرهم ، ولا يخفى أن تخصيص الإذهاب بهم مما لا مزية فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية