الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولو بسط الله الرزق الآية . أخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، [ ص: 158 ] وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه، وأبو نعيم في "الحلية" والبيهقي في "شعب الإيمان" بسند صحيح عن أبي هانئ الخولاني قال : سمعت عمرو بن حريث وغيره يقولون : إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب الصفة، ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض وذلك أنهم قالوا : لو أن لنا فتمنوا الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في "الشعب" عن علي قال : إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب الصفة ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض وذلك أنهم قالوا : لو أن لنا! فتمنوا الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن قتادة في الآية قال : يقال خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك، قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها . فقال له قائل : يا نبي الله هل يأتي الخير بالشر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم . هل يأتي الخير بالشر؟ فأنزل الله عليه عند ذلك ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض وكان إذا نزل عليه [ ص: 159 ] كرب لذلك وتربد وجهه حتى إذا سري عنه، قال : هل يأتي الخير بالشر؟ يقولها ثلاثا، إن الخير لا يأتي إلا بالخير ولكنه والله ما كان ربيع قط إلا أحبط أو ألم فأما عبد أعطاه الله مالا فوضعه في سبيل الله التي افترض وارتضى فذلك عبد أريد به خير وعزم له على الخير وأما عبد أعطاه الله مالا فوضعه في شهواته ولذاته وعدله عن حق الله عليه فذلك عبد أريد به شر وعزم له على شر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو يعلى، وابن حبان، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زينة الدنيا وزهرتها . فقال له رجل : يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا أنه ينزل عليه فقيل له : ما شأنك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك؟ فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح عنه الرحضاء فقال : أين السائل؟ فرأينا أنه حمده، فقال : إن [ ص: 160 ] الخير لا يأتي بالشر وإن مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى امتلأت خاصرتاها فاستقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت وإن المال حلوة خضرة ونعم صاحب المسلم هو إن وصل الرحم وأنفق في سبيل الله ومثل الذي يأخذه بغير حقه، كمثل الذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة : ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض قال : كان يقال : خير العيش ما لا يطغيك ولا يلهيك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في "كتاب الأولياء" والحكيم الترمذي، في "نوادر الأصول"، وابن مردويه، وأبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" وابن عساكر في "تاريخه" عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله قال : يقول الله عز وجل : من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرود وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى [ ص: 161 ] أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه، وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله : ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا قال : المطر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية