الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الرابع : في زيادة الأقوال .

                                                                                                                وفيه فروع أربعة :

                                                                                                                الأول في الكتاب : من قرأ السورة في الأخيرتين لا سجود عليه ; لأن الخلاف في مشروعيتها في الأخيرتين لابن عمر وابن عبد الحكم و ( ش ) ، وفي الجلاب عن أشهب يسجد .

                                                                                                                الثاني في الكتاب : من تكلم ناسيا سجد بعد - وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) .

                                                                                                                [ ص: 316 ] الكلام سهو يبطل ، ومسلم أن السلام في أثنائها سهوا لا يبطل ; لنا القياس عليه ، وحديث ذي اليدين ، ولأن كل ما يبطل عمده ، يوجب السجود سهوه .

                                                                                                                الثالث : إذا جهر فيما يسر فيه سجد بعد ، في البيان : ولا خلاف أحفظه في أنه سجد بعد السلام ، والفرق بين هذا والعكس أن فعل ما تركه سنة أشد من ترك ما فعله سنة - لقوله - عليه السلام - : " إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ، وإن أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم . إلا أن تكون الآية ونحوها خلافا ( ح ش ) . لنا قوله - عليه السلام - : لكل سهو سجدتان ، وفي الصحيحين : كان - عليه السلام - يسمعنا الآية أحيانا ، قال صاحب الطراز : وقيل : يسجد قبل السلام - لنقصه السنة ، فلو تعمد ترك الإسرار أو الجهر ، فأربعة أقوال : لا سجود عند ابن القاسم ; لفقدان سببه الذي هو السهو عنده ، والسجود لوجود الخلل ; والسجود جائز وتبطل الصلاة للاستهزاء ، وهذه جارية في كل سنة تعمد تركها ; وتبطل الصلاة بالجهر كزيادة الكلام ; ولا تبطل بالسر ; لأنه نقص وما زاد .

                                                                                                                الرابع : قال في الكتاب : إذا سلم من اثنتين ساهيا فسبحوا به فلم يفقه ، فقال له أحد المأمومين : سهوت ; فسألهم ، فقالوا : نعم ; فإنه يتمم بهم ، لما في الصحيحين أنه - عليه السلام - صلى إحدى صلاتي العشاء إما الظهر أو العصر فسلم من ركعتين ، ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليه كهيئة الغضبان .

                                                                                                                [ ص: 317 ] وفي القوم أبو بكر وعمر ، فهابا أن يتكلما ، فخرج سرعان الناس فقالوا : أقصرت الصلاة ؟ فقام ذو اليدين فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فنظر النبي - عليه السلام - يمينا وشمالا ، فقال : أحقا ما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا : صدق - ولم تصل إلا ركعتين ; فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد
                                                                                                                . والمشهور التسوية بين الاثنتين وغيرهما ، وقال سحنون : ذلك خاص بالاثنتين قصرا للحديث على مورده لمخالفة الأصول .

                                                                                                                وجوابه : أنه معلل بإصلاح الصلاة فيتعدى ، وحيث قلنا بالكلام ، ففي الجواهر ما لم يكثر ، وقيل : يبنى وإن كثر ؟ قال صاحب المنتقى : وكراهة الكلام للمأموم في هذا عن ابن وهب وابن نافع ، فإن فعل ، فلا إعادة ، والإعادة أبدا عن ابن كنانة ، وجعل الحديث خاصا بصدر الإسلام - وقاله ( ح ش ) وليس كذلك ; لأن إباحة الكلام في الصلاة نسخت قبل خروج - ابن مسعود من الحبشة ، وراوي هذا الحديث أبو هريرة وهو متأخر الإسلام .

                                                                                                                سؤالان

                                                                                                                الأول : كان - عليه السلام - يعتقد إتمام الصلاة ، والقوم يعتقدون النسخ ويجوزونه ; فلذلك تكلموا بخلاف صورة النزاع .

                                                                                                                الثاني : روي في الحديث : ما قصرت الصلاة ولا نسيت ، ويروى : كل ذلك لم يكن ، والخلف منه - عليه السلام - محال .

                                                                                                                [ ص: 318 ] والجواب عن الأول : أنهم تكلموا بعد العلم بعدم النسخ بقوله : كل ذلك لم يكن .

                                                                                                                وعن الثاني : أنه فعل ذلك - عليه السلام - قصدا أذن له فيه للتعليم ، فالكلام صدق ; وقوله - عليه السلام - : أحقا ما يقول للتثبت على القضية ، أو هو إخبار عن اعتقاد ، وهو كذلك فلا خلاف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                فلو كان الإمام يعتقد الإتمام ، قال صاحب الطراز : لمالك قولان : يرجع ، وقيل : يرجع إن كثروا وفي الاثنتين والثلاث لا يرجع ، وجه الأول : أن يقينه يضطرب ، وجه الثاني : ترجيح اليقين على غيره ; وحيث قلنا يرجع ، ففي الجواهر يرجع بإحرام ، ثم يكبر تكبيرة القيام للثالثة ، وقال بعض المتأخرين : ليس ذلك عليه إن كان جالسا في مقامه ، وإنما يفتقر للإحرام لو قام بعد سلامه ، أو فعل ما يوجب حاجته للإحرام ; واعترضه أبو الوليد بأن الموجب للإحرام هو السلام وغيره ، وإذا قلنا يحرم منها قائما كالإحرام الأول قاله بعض المتقدمين ، أو جالسا لأنها الحالة التي فارق فيها الصلاة قاله ابن شبلون ; وإذا قلنا يحرم قائما جلس بعد ذلك عند ابن القاسم ليأتي بالنهضة ; وروى ابن نافع لا يجلس ; لأن النهضة غير مقصودة وقد فات محلها . قال صاحب المقدمات : إن سلم ساهيا قبل إتمام صلاته لم يخرج من صلاته بذلك إجماعا ، ويتمها ويسجد إن كان فذا أو إماما ; وإن سلم شاكا في إتمام صلاته ، لم يصح رجوعه إلى تمامها ; فإن تيقن بعد سلامه تمامها ، أجزأته عند ابن حبيب لبيان الصحة ، وقيل : فاسدة ، وهو الأظهر ; [ ص: 319 ] وإن سلم قاصدا للتحليل معتقدا تمامها ، ثم شك أو تيقن بعد سلامه ، رجع لإصلاحها ; وهل يرجع بإحرام ؟ قولان مبنيان على أن السلام سهوا هل يخرج من الصلاة فلا يدخل إلا بإحرام - قاله ابن القاسم ومالك ، أو لا يخرج من الصلاة فلا يحتاج إلى إحرام - قاله أشهب وعبد الملك ومحمد ; وعلى الأول قال ابن القاسم : يكبر ثم يجلس ثم يبني ، قال : والصواب يجلس ثم يكبر ثم يبني ; لئلا يزيد الانحطاط بين القيام ; وعلى القول بأن السلام يخرج ، يرجع إلى موضع المفارقة ; فإن سلم من اثنتين ، رجع للجلوس أو من غيرها فذكر قائما - رجع إلى حال رفع رأسه من السجود ولا يجلس ; لأنه ليس موضع جلوس .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية