الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى

                                                                                                                                                                                                                                      وألق ما في يمينك أي : عصاك ، كما وقع في (سورة الأعراف ) ، وإما أوثر الإبهام تهويلا لأمرها ، وتفخيما لشأنها ، وإيذانا بأنها ليست من جنس العصي المعهودة المستتبعة للآثار المعتادة ، بل خارجة عن حدود سائر أفراد الجنس ، مبهمة الكنه ، مستتبعة لآثار غريبة ، وعدم مراعاة هذه النكتة عند حكاية الأمر في موضع آخر لا يستدعي عدم مراعاتها عند وقوع المحكي هذا ، وحمل الإبهام على التحقير بأن يراد لا تبال بكثرة حبالهم [ ص: 28 ] وعصيهم ، وألق العويد الذي في يدك فإنه بقدرة الله تعالى يلقفها مع وحدته وكثرتها ، وصغره وعظمها ، يأباه ظهور حالها فيما مر مرتين ، على أن ذلك المعنى إنما يليق بما لو فعلت العصا ما فعلت وهي على هيئتها الأصلية ، وقد كان منها ما كان . وقوله تعالى تلقف ما صنعوا بالجزم جوابا للأمر من لقفه : إذا ابتلعه ، والتقمه بسرعة . والتأنيث لكون "ما" عبارة عن العصا ، أي : تبتلع ما صنعوه من الحبال والعصي التي خيل إليك سعيها وخفتها . والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير ، والإيذان بالتمويه والتزوير . وقرئ "تلقف" بتشديد القاف ، وإسقاط إحدى التاءين من "تتلقف" . وقرئ بالرفع على الحال ، أو الاستئناف . والجملة الأمرية معطوفة على النهي متممة بما في حيزها ، لتعليل موجبه ببيان كيفية غلبته عليه الصلاة والسلام وعلوه ، فإن ابتلاع عصاه لأباطيلهم التي منها أوجس في نفسه ما أوجس مما يقلع مادته بالكلية . وهذا كما ترى صريح في أن خوفه عليه الصلاة والسلام لم يكن مما ذكر من مخالجة الشك للناس ، وعدم اتباعهم له عليه الصلاة والسلام ، وإلا لعلل بما يزيله من الوعد ، بما يوجب إيمانهم واتباعهم له عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : إنما صنعوا إلخ تعليل لقوله تعالى : "تلقف ما صنعوا" . و"ما" إما موصولة ، أو موصوفة ، أي : إن الذي صنعوه أو إن شيئا صنعوه كيد ساحر بالرفع على أنه خبر ، لأن أي كيد جنس الساحر ، وتنكيره للتوسل به إلى تنكير ما أضيف إليه للتحقير . وقرئ بالنصب على أنه مفعول "صنعوا" و"ما" كافة . وقرئ : "كيد سحر" على أن الإضافة للبيان ، كما في "علم فقة "، أو على معنى : ذي سحر ، أو على تسمية الساحر سحرا مبالغة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : ولا يفلح الساحر أي : هذا الجنس حيث أتى أي : حيث كان ، وأين أقبل من تمام التعليل ، وعدم التعرض لشأن العصا ، وكونها معجزة إلهية مع ما في ذلك من تقوية التعليل للإيذان بظهور أمرها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية