الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          هول يوم القيامة

                                                          لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون

                                                          [ ص: 4866 ] استطالوا الزمن واستعجلوا العذاب؛ وتحدوا الله ورسوله أن يأتوا بالعذاب إن كانوا صادقين؛ فبين الله (تعالى) هوله إذا جاءهم؛ وأنه لا يأتيهم يوم القيامة إلا بغتة؛ وأنه بعده عذاب لا يتصورونه؛ ولا يدركونه؛ وإن المشركين كانوا يتحدون الرسول أن يأتي بما وعد به من عذاب؛ إن كان صادقا؛ فبين - سبحانه - أن ذلك التحدي من جهلهم؛ ثم بين مآلهم من عذاب يلقونه؛ وأن القيامة التي يكون وراءها العذاب تأتيهم بغتة؛ وذكر العذاب قبل القيامة؛ مع أنه بعدها؛ وبعد الحساب؛ فقال: لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم أي: يحيط بهم؛ وذكر الوجه والظهر لأنه إذا أحاط بهما أحاط بالجانبين لا محالة؛ فلا يصل إلى الظهر إلا إذا أحاط بالشمال؛ واليمين؛ فالنار تحيط بهم؛ ولا يستطيعون كفها؛ وذلك العجز عن كفها لأنه يقتضي الإحاطة بهم؛ كما قال (تعالى): لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ؛ وكما قال (تعالى): سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ؛ وكما قال (تعالى): لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل

                                                          و "لو يعلم الذين كفروا "؛ "العلم "؛ هنا بمعنى: المعرفة؛ وهي الجزم المطابق للواقع؛ وعبر بالمضارع لتصوير حالهم عندما يعاينون العذاب؛ وينزل بهم العذاب الشديد؛ وجواب الشرط محذوف؛ يدل على عظيم الهول؛ وتقديره: "لرأوا هولا لم يدركوا كنهه؛ ولم يعرفوا أمره "؛ كما في قوله (تعالى): ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ؛ وعبر (تعالى) بقوله: "الذين كفروا "؛ للإشارة إلى أن الكفر هو سبب ذلك الهوان العظيم؛ "ولا هم ينصرون "؛ أي أن العذاب ينزل بهم؛ لا يستطيعون كفه؛ ولا يوجد من ينصرهم؛ ويكف عنهم؛ هذا ما يستعجلونه؛ ويتحدون أن يكون؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ تحدوا أن يذكر لهم متى هذا الوعد؛ وهو يوم القيامة؛ وقد بادر - سبحانه - بذكر ما يكون لهم في هذه؛ مما لا يسوغ لهم أن يستعجلوه؛ ثم ذكر لهم أنه لا يأتي في وقت معلوم؛ بل يأتي فجأة؛ فقال: [ ص: 4867 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية