الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون أكد الله - سبحانه - وهو الصادق في كل قول؛ ولا يحتاج إلى توكيد قول؛ ولكنه أكد لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحزنه أن يستهزئ ناس بنبيهم الذي جاء لهدايتهم؛ ولأن الوحدانية حق لا يستهزأ منه؛ وعبادتهم الأوثان هي الجديرة بالاستهزاء والسخرية؛ فأكد - سبحانه - لمواساة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وليوقع في نفسه - عليه الصلاة والسلام - بأن دعوة الحق لا يعارضها ناس فضلاء؛ ومن طبيعة الأخساء أن يهبطوا في خصومتهم إلى دركة الاستهزاء؛ فقال: ولقد استهزئ برسل من قبلك أكد - سبحانه - استهزاء السابقين باللام؛ و "قد "؛ ونكرت "رسل "؛ لكثرتهم؛ ومقامهم من الله؛ أي: "رسل [ ص: 4868 ] كثيرين "؛ لهم مكانتهم عند الله؛ وفي أقوامهم؛ والحق يسخر منه أهل الباطل خصوصا إذا كان واضحا نيرا؛ والباطل حجته داحضة؛ ويشعرون بأنها ليست حجة؛ ومع ذلك يستمسكون بها اتباعا لأوهامهم؛ ولآبائهم؛ وخضوعا لعادات وتقاليد فاسدة؛ وإنهم محاسبون على استهزائهم؛ لقد حسبوه لغوا من الأقوال والأفعال؛ وهو عند الله عظيم; لأنه كفر وعناد وخسة؛ ولذلك كان له عقابه في الدنيا والآخرة؛ وقال (تعالى): فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون الفاء تدل على أن ما بعدها مسبب لما قبلها؛ وقد صرح بهذه السببية؛ فخص - سبحانه وتعالى - نزول العذاب؛ أو العقاب؛ بالذين سخروا منهم؛ فذكر الموصول دليل على أن الصلة سبب الحكم؛ وكان الإظهار في مقام الإضمار؛ لبيان هذه السببية؛ و "حاق "؛ معناها: نزل بهم؛ وأصابهم؛ وقد خص الساخرين بعقاب خاص؛ لأنهم في معارضتهم بهذا النوع من المعارضة كانوا أخساء في ذات أنفسهم؛ فمن ذا الذي يجعل أبا جهل في معارضته للإيمان كأبي سفيان ؛ فالأول خسيس؛ والثاني فيه شرف؛ ولقد قال - وهرقل يسأله عن محمد بن عبد الله -: لولا أني أخشى أن تحفظ عني كذبة في العرب لكذبت.

                                                          وقال (تعالى): فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون والمراد عذاب الاستهزاء؛ لا ذات الاستهزاء؛ ولكنه - سبحانه - عبر بأن الاستهزاء ذاته هو الذي يحيق؛ للإشارة إلى [أن] الجزاء وفاق للجريمة؛ فهو هي; لبيان المساواة العادلة؛ و "ما "؛ في قوله: "ما كانوا يستهزئون " مصدرية؛ أي: استهزاؤهم.

                                                          والجزاء الذي ينزل بهم هلاك في الدنيا؛ وقد جاء قصص القرآن بهلاكهم في آيات كثيرة؛ وعذاب أليم في الآخرة.

                                                          وإن الله (تعالى) يذكرهم بنعمة الله (تعالى) في حياتهم الخاصة؛ والعامة؛ التي تحوطهم؛ ولا يشعرون بها؛ بل يكفرونها.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية