الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أوحينا إلى موسى حكاية إجمالية لما انتهى إليه أمر فرعون وقومه ، وقد طوي في البين ذكر ما جرى عليهم من الآيات المفصلات الظاهرة على يد موسى عليه الصلاة والسلام ، بعد ما غلب السحرة في نحو من عشرين سنة حسبما فصل في (سورة الأعراف ) . وتصديرها بالقسم لإبراز كمال العناية بمضمونها . و"أن" في قوله تعالى : أن أسر بعبادي إما مفسرة لأن الوحي فيه معنى القول ، أو مصدرية حذف عنها الجار . والتعبير عنهم بعنوان كونهم عبادا له تعالى لإظهار المرحمة والاعتناء بأمرهم ، والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون بهم ، حيث استعبدهم وهم عباده عز وجل وفعل بهم من فنون الظلم ما فعل ، أي : وبالله لقد أوحينا إليه عليه الصلاة والسلام أن أسر بعبادي الذين أرسلتك لإنقاذهم من ملكة فرعون ، أي : سر بهم من مصر ليلا .

                                                                                                                                                                                                                                      فاضرب لهم أي : فاجعل ، أو فاتخذ لهم طريقا في البحر يبسا أي : يابسا ، على أنه مصدر وصف به الفاعل مبالغة . وقرئ : "يبسا" وهو إما مخفف منه ، أو وصف كصعب ، أو جمع يابس كصحب ، وصف به الواحد للمبالغة ، أو لتعدده حسب تعدد الأسباط . لا تخاف دركا حال من المأمور ، أي : آمنا من أن يدرككم العدو ، أو صفة أخرى لطريقا ، والعائد محذوف . وقرئ : "لا تخف" جوابا للأمر .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تخشى عطف على لا تخاف داخل في حكمه ، أي : ولا تخشى الغرق . وعلى قراءة الجزم استئناف ، أي : وأنت لا تخشى ، أو عطف عليه ، والألف للإطلاق ، كما في قوله تعالى : وتظنون بالله الظنونا وتقديم نفي الخوف المذكور للمسارعة إلى إزاحة [ ص: 32 ] ما كانوا عليه من الخوف العظيم حيث قالوا : إنا لمدركون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية