الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ( 16 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه ، معرفه الحجة على هؤلاء المشركين الذين قالوا له : ( ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) ( قل ) لهم ، يا محمد ( لو شاء الله ما تلوته عليكم ) أي : ما تلوت هذا القرآن عليكم ، أيها الناس ، بأن كان لا ينزله علي فيأمرني بتلاوته عليكم ( ولا أدراكم به ) ، يقول : ولا أعلمكم به ( فقد لبثت فيكم عمرا من قبله ) يقول : فقد مكثت فيكم أربعين سنة من قبل أن أتلوه عليكم ، ومن قبل أن يوحيه إلي ربي ( أفلا تعقلون ) ، أني لو كنت منتحلا ما ليس لي من القول ، كنت قد انتحلته في أيام شبابي وحداثتي ، وقبل الوقت الذي تلوته عليكم ؟ فقد كان لي اليوم ، لو لم يوح إلي وأومر بتلاوته عليكم ، مندوحة عن معاداتكم ، ومتسع ، في الحال التي كنت بها [ ص: 42 ] منكم قبل أن يوحى إلي وأومر بتلاوته عليكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

17581 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : ( ولا أدراكم به ) ، ولا أعلمكم .

17582 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) ، يقول : لو شاء الله لم يعلمكموه .

17583 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) ، يقول : ما حذرتكم به .

17584 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) ، وهو قول مشركي أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ) ، لبث أربعين سنة .

17585 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) ولا أعلمكم به .

17586 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الحسن أنه كان يقرأ : ( ولا أدرأتكم به ) ، يقول : ما أعلمتكم به .

17587 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، [ ص: 43 ] أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا أدراكم به ) يقول : ولا أشعركم الله به .

قال أبو جعفر : وهذه القراءة التي حكيت عن الحسن عند أهل العربية غلط .

وكان الفراء يقول في ذلك : قد ذكر عن الحسن أنه قال : ( ولا أدرأتكم به ) . قال : فإن يكن فيها لغة سوى " دريت " و " أدريت " فلعل الحسن ذهب إليها . وأما أن تصلح من " دريت " أو " أدريت " فلا لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحتا ولم تنقلبا إلى ألف ، مثل " قضيت " و " دعوت " . ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها ، لأنها تضارع " درأت الحد " وشبهه . وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز فيهمزون غير المهموز . وسمعت امرأة من طي تقول : " رثأت زوجي بأبيات " ويقولون : " لبأت بالحج " و " حلأت السويق " ، فيغلطون ؛ لأن " حلأت " قد يقال في دفع العطاش ، من الإبل ، و " لبأت " : ذهبت به إلى " اللبأ " لبأ الشاء ، و " رثأت زوجي " ذهبت به إلى . . . . . " رثأت اللبن " إذا أنت حلبت الحليب على الرائب ، فتلك " الرثيثة " .

وكان بعض البصريين يقول : لا وجه لقراءة الحسن هذه لأنها من " أدريت " مثل " أعطيت " إلا أن لغة لبني عقيل

: " أعطأت " يريدون : " أعطيت " تحول الياء ألفا ، قال الشاعر : [ ص: 44 ]


لقد آذنت أهل اليمامة طيئ بحرب كناصاة الأغر المشهر



يريد : كناصية ، حكي ذلك عن المفضل وقال زيد الخيل :


لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقا     على الأرض قيسي يسوق الأباعرا



فقال " بقا " وقال الشاعر :


لزجرت قلبا لا يريع لزاجر     إن الغوي إذا نها لم يعتب



يريد " نهي " . قال : وهذا كله على قراءة الحسن وهي مرغوب عنها ، قال : وطيئ تصير كل ياء انكسر ما قبلها ألفا ، يقولون : " هذه جاراة "

وفي " الترقوة " " ترقاة " و " العرقوة " " عرقاة " . قال : وقال بعض طيئ : " قد لقت فزارة " ، حذف الياء من " لقيت " لما لم يمكنه أن يحولها ألفا ، لسكون التاء ، فيلتقي ساكنان . وقال : زعم يونس أن " نسا " و " رضا " لغة معروفة ، قال الشاعر : [ ص: 45 ]


وأنبئت بالأعراض ذا البطن خالدا     نسا أو تناسى أن يعد المواليا



وروي عن ابن عباس في قراءة ذلك أيضا رواية أخرى ، وهي ما :

17588 - حدثنا به المثنى قال : حدثنا المعلى بن أسد قال : حدثنا خالد بن حنظلة عن شهر بن حوشب عن ابن عباس : أنه كان يقرأ : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أنذرتكم به ) .

قال أبو جعفر : والقراءة التي لا نستجيز أن نعدوها ، هي القراءة التي عليها قراء الأمصار : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) ، بمعنى : ولا أعلمكم به ، ولا أشعركم به . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية