الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في المبارزة 3339 - ( عن أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه قال : { تقدم عتبة بن ربيعة ومعه ابنه وأخوه فنادى من يبارز ؟ فانتدب له شباب من الأنصار ، فقال : من أنتم ؟ فأخبروه ، فقال لا حاجة لنا فيكم إنا أردنا بني عمنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا حمزة قم يا علي ، قم يا عبيدة بن الحارث ، فأقبل حمزة إلى عتبة ، وأقبلت إلى شيبة ، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان ، فأثخن كل واحد منا صاحبه ثم ملنا إلى الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة } . رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3340 - ( وعن قيس بن عباد عن علي قال : أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي [ ص: 304 ] الرحمن يوم القيامة ، قال قيس : فيهم نزلت هذه الآية : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } قال : هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة .

                                                                                                                                            وفي رواية أن عليا قال : فينا نزلت هذه الآية ، وفي مبارزتنا يوم بدر { هذان خصمان اختصموا في ربهم } . رواهما والبخاري ) .

                                                                                                                                            3341 - ( وعن سلمة بن الأكوع قال : بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي . رواه أحمد في قصة طويلة ، ومعناه لمسلم ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث علي الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناده ثقات .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي ذر عند الشيخين في ذكر المبارزة المذكورة مختصرا .

                                                                                                                                            وأخرج ابن إسحاق في المغازي " أن عليا بارز يوم الخندق عمرو بن عبد ود . ووصله الحاكم من حديث أنس بنحوه . وأخرج ابن إسحاق أيضا في المغازي عن جابر قال : { خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر قد جمع سلاحه وهو يرتجز فذكر الشعر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من لهذا ؟ فقال محمد بن مسلمة : أنا يا رسول الله } فذكر الحديث والقصة ورواه أحمد والحاكم وقال : صحيح الإسناد ، والذي في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع مطولا أنه بارزه علي وفيه : " فخرج مرحب وهو يقول " :

                                                                                                                                            قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب

                                                                                                                                            فقال علي عليه السلام :

                                                                                                                                            أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره

                                                                                                                                            وضرب رأس مرحب فقتله . قال الحافظ في التلخيص : إن الأخبار متواترة أن عليا هو الذي قتل مرحبا . انتهى . ورواية سلمة التي ذكرها المصنف في الباب تدل على أن الذي بارز مرحبا هو عمه . ويمكن الجمع بأن يقال : إن محمد بن مسلمة وكذلك عم سلمة بن الأكوع بارزاه أولا ولم يقتلاه ، ثم بارزه علي آخرا فقتله ، ومما يرشد إلى ذلك ما أخرجه الحاكم بسند فيه الواقدي أنه ضرب محمد بن مسلمة ساقي مرحب ضربة فقطعهما ولم يجهز عليه ، فمر به علي فضرب عنقه وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه محمد بن مسلمة . وروى الحاكم بسند منقطع فيه الواقدي أيضا أن أبا دجانة قتله وجزم ابن إسحاق في السيرة أن محمد بن مسلمة هو الذي قتله . قال الحافظ في التلخيص في باب قسمة الفيء : [ ص: 305 ] والصحيح أن علي بن أبي طالب هو الذي قتله كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ، وفي مسند أحمد عن علي . انتهى .

                                                                                                                                            وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف { أن عوفا ومعوذا ابني عفراء خرجا يوم بدر إلى البراز فلم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم } . وروى ابن إسحاق في المغازي أن عبد الله بن رواحة خرج يوم بدر إلى البراز هو ومعوذ وعوف ابنا عفراء ، وذكر القصة . قوله : ( فانتدب له شباب من الأنصار ) هم عبد الله بن رواحة ومعوذ وعوف ابنا عفراء كما بين ذلك ابن إسحاق في المغازي . قوله : ( قم يا عبيدة بن الحارث ) قال ابن إسحاق : إن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم فبرز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة وعلي للوليد . وروى موسى بن عقبة أنه برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وهو المناسب لحديث الباب فقتل علي وحمزة من بارزاهما ، واختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء ، ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله ، وفي الأحاديث التي ذكرها المصنف وذكرناها دليل على أنها تجوز المبارزة ، وإلى ذلك ذهب الجمهور ، والخلاف في ذلك للحسن البصري ، وشرط الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق إذن الأمير كما في هذه الرواية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للمذكورين .

                                                                                                                                            قوله : ( فأثخن كل واحد منا صاحبه ) لفظ أبي داود " فأثخن كل واحد منهما صاحبه " أي كل واحد من المذكورين هما عبيدة والوليد ، ومعنى الرواية المذكورة في الباب أنه أثخن حمزة من بارزه وهو عتبة ، وأثخن علي من بارزه وهو شيبة ثم مالا إلى الوليد .

                                                                                                                                            قال في القاموس : أثخن في العدو بالغ في الجراحة فيهم وفلانا أوهنه وحتى إذا أثخنتموهم أي غلبتموهم وكثر فيهم الجراح ، انتهى . قوله : ( ثم ملنا إلى الوليد ) فيه دليل على أنه يجوز أن تعين كل طائفة من الطائفتين المتبارزتين بعضهم بعضا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية