الآية الثانية قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } .
فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى لما قال
لنوح عليه السلام : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } حين استنفد ما في أصلاب الرجال وما في أرحام النساء من المؤمنين ، دعا عليهم
نوح بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } فأجاب الله دعوته ، وأغرق أمته . وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15042اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، هازم الأحزاب ، اهزمهم وزلزلهم } .
[ ص: 269 ] المسألة الثانية دعا
نوح على الكافرين أجمعين ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين ، وألب عليهم ، وكان هذا أصلا في
nindex.php?page=treesubj&link=19740الدعاء على الكفار في الجملة ، فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه ; لأن مآله عندنا مجهول ، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة للسعادة ; وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء على
عتبة وشيبة وأصحابه لعلمه بمآلهم ، وما كشف له من الغطاء عن حالهم . والله أعلم المسألة الثالثة إن قيل : لم جعل
نوح دعوته على قومه سببا لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة .
قلنا : قال الناس : في ذلك وجهان : أحدهما أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة ; والشفاعة تكون عن رضا ورقة ، فخاف أن يعاتب بها ، فيقال : دعوت على الكفار بالأمس وتشفع لهم اليوم .
الثاني : أنه دعا غضبا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك ; فخاف الدرك فيه يوم القيامة ، كما قال
موسى : إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها . وبهذا
أقول والله أعلم ، وتمامه قد ثبت في القسم الثاني .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَمَّا قَالَ
لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِك إلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ } حِينَ اسْتَنْفَدَ مَا فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَمَا فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ، دَعَا عَلَيْهِمْ
نُوحٌ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } فَأَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ ، وَأَغْرَقَ أُمَّتَهُ . وَهَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15042اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، سَرِيعَ الْحِسَابِ ، هَازِمَ الْأَحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ } .
[ ص: 269 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ دَعَا
نُوحٌ عَلَى الْكَافِرِينَ أَجْمَعِينَ ، وَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ تَحَزَّبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّبَ عَلَيْهِمْ ، وَكَانَ هَذَا أَصْلًا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19740الدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَةِ ، فَأَمَّا كَافِرٌ مُعَيَّنٌ لَمْ تُعْلَمْ خَاتِمَتُهُ فَلَا يُدْعَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَآلَهُ عِنْدَنَا مَجْهُولٌ ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومَ الْخَاتِمَةِ لِلسَّعَادَةِ ; وَإِنَّمَا خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ عَلَى
عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأَصْحَابِهِ لِعِلْمِهِ بِمَآلِهِمْ ، وَمَا كُشِفَ لَهُ مِنْ الْغِطَاء عَنْ حَالِهِمْ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إنْ قِيلَ : لِمَ جَعَلَ
نُوحٌ دَعْوَتَهُ عَلَى قَوْمِهِ سَبَبًا لِتَوَقُّفِهِ عَنْ طَلَبِ الشَّفَاعَةِ لِلْخَلْقِ مِنْ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ .
قُلْنَا : قَالَ النَّاسُ : فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ تِلْكَ الدَّعْوَةَ نَشَأَتْ عَنْ غَضَبٍ وَقَسْوَةٍ ; وَالشَّفَاعَةُ تَكُونُ عَنْ رِضًا وَرِقَّةٍ ، فَخَافَ أَنْ يُعَاتَبَ بِهَا ، فَيُقَالُ : دَعَوْت عَلَى الْكُفَّارِ بِالْأَمْسِ وَتَشْفَعُ لَهُمْ الْيَوْمَ .
الثَّانِي : أَنَّهُ دَعَا غَضَبًا بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إذْنٍ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ ; فَخَافَ الدَّرْكَ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ
مُوسَى : إنِّي قَتَلْت نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا . وَبِهَذَا
أَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَتَمَامُهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي .