الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد أشار - سبحانه وتعالى - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وإلى القرآن؛ فقال: وهذا ذكر مبارك أنـزلناه أفأنتم له منكرون وسط الله - سبحانه - بين قصة موسى وهارون؛ وقصة إبراهيم - حاطم الأوثان - بالإشارة إلى القرآن؛ ومحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ الذي أزال الأوثان من البلاد العربية; لأن القرآن أكمل كتاب للشرائع التي فصلت بعضها التوراة؛ ونسخ القرآن بعضها؛ فأخذ شرعه من شرع موسى بعضه؛ ولكنه خالد دائم؛ لا يعروه نسخ؛ ولا تبديل؛ ولأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أزال دولة الأوثان في مستقرها. [ ص: 4880 ] و "هذا "؛ الإشارة إلى القرآن الذي يسمعون تلاوته؛ ويتحداهم أن يأتوا بمثله؛ فيعجزون؛ ويتحدى الخليقة كلها أن تأتي بمثله؛ فلا تستطيع؛ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا

                                                          والإشارة تتضمن كل ما فيه رأوه متلوا؛ وعلموه معجزا؛ وعاينوا آثاره في إيمان المؤمنين؛ وقد عرفه الله (تعالى) بأنه ذكر مبارك؛ أي: مذكر بالعذاب والثواب؛ وفيه تذكير بالله (تعالى)؛ إذا امتلأت القلوب به كان فيها ذكر دائم؛ وبه تطمئن القلوب؛ وتذهب الوساوس؛ ولا تضطرب؛ ولا تفزع؛ ولا تهلع؛ ولا تجزع؛ ووصفه - سبحانه - بأنه مبارك؛ "البركة ": الخير الدائم المستمر الكثير الخيرات؛ ووصف القرآن بذلك - أولا - لأنه دائم بالخير والثمرات المرشدة؛ ما دامت السماوات والأرض؛ وهو خالد بخلود خاتم النبيين؛ ولأنه قد اشتمل على كل شيء يتعلق بالمواعظ والهداية؛ ولأنه مشتمل على الشريعة الباقية إلى يوم القيامة.

                                                          وقد رأى العرب - المدركون - فيه كل ذلك؛ ولكن المعاندون لم يدركوه; لأنه طمس على قلوبهم؛ ولقد قال (تعالى) - من بعد -: أفأنتم له منكرون الفاء ترتب الاستفهام الدال على استنكار الواقع؛ وهو عدم الإيمان؛ في الوقت الذي كان يجب الإيمان به؛ والفاء مقدم عن تأخير؛ لأن الاستفهام له الصدارة؛ والتقدير; "فأأنتم له منكرون؟! "؛ أي أنه يترتب على هذه الحقيقة الثابتة للقرآن - وهو مذكر؛ ومبارك - سؤالهم: "أأنتم له منكرون؟! "؛ وقلنا: إن الاستفهام إنكاري لإنكار الواقع؛ فالثابت أنهم منكرون؛ وتلك جريمة عقلية؛ وهو جحود بما قام الدليل عليه؛ وإشراك؛ حيث قام الدليل على التوحيد؛ وإنكار لمعجزة القرآن؛ حيث عجزوا عن الإتيان بمثله.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية