الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وبعد أن بعثه الله (تعالى) تقدم لمجاهدة أبيه وقومه المشركين؛ ابتدأت المجاهدة بقوله: إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون "إذ "؛ هنا للوقت الماضي؛ وهي مفعول لفعل محذوف؛ تقديره: "اذكر "؛ والخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ والمعنى: اذكر لقومك من مشركي العرب الذين يفخرون به نسبا؛ ويدعون اتباعه؛ كيف جاهد قومه في هذا الشرك؛ وذكر أباه لأنه داع للحق؛ وداعي الحق لا يفرق في دعوته بين قريب وغيره؛ بل يبتدئ بالقريب؛ لأنه أقرب إجابة؛ ولأن الدعوة إلى الحق خير؛ فأولى به الداني ؛ وإبراهيم كان أبوه دانيا إلى قلبه؛ وذكر بعد أبيه قومه؛ ومما قاله لهم هو: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون "التماثيل "؛ جمع "تمثال "؛ وهو الصورة المجسمة للإنسان؛ أو للحيوان؛ وأكثر ما يكون الآلهة لصورة إنسان؛ وكانت التماثيل عند اليونان والرومان؛ وكانوا يعبدونها؛ أو [ ص: 4882 ] يسمونها آلهة؛ فيقولون: "إله الحب "؛ و "إله الزرع "؛ و "إله العدالة "؛ و "العكوف ": الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم له وعبادته.

                                                          والاستفهام منصب على سؤاله عن هذه الأصنام التي عكفوا عليها يعظمونها؛ ويعبدونها؛ وهو يتضمن أولا الاستهانة بها؛ وتحقيرها بالإشارة; لأن الإشارة تتضمن أنها حجارة محسوسة؛ لا تضر؛ ولا تنفع؛ ويتضمن - ثانيا - استنكار العكوف عليها وعبادتها؛ والاستفهام ليس عن الماهية؛ بل عن أوصافها؛ وتنبيه إلى أنها لا تضر؛ ولا مسوغ لعبادتها؛ لأنها ليس فيها صفات الألوهية التي توجب العبادة.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية