الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين

                                                                                                                                                                                                هم درجات أي: هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات كقوله [من الوافر]:


                                                                                                                                                                                                أنصب للمنية تعتريهم رجالي أم هم درج السيول



                                                                                                                                                                                                وقيل: ذوو درجات، والمعنى: تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين، أو التفاوت بين الثواب والعقاب والله بصير بما يعملون عالم بأعمالهم ودرجاتها فمجازيهم على حسبها.

                                                                                                                                                                                                لقد من الله على المؤمنين على من آمن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قومه، وخص المؤمنين منهم؛ لأنهم هم المنتفعون بمبعثه من أنفسهم : من جنسهم عربيا مثلهم، وقيل: من ولد إسماعيل كما أنه من ولده.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: مما وجه المنة عليهم في أن كان من أنفسهم؟ قلت: إذا كان منهم كان اللسان واحدا، فسهل أخذ ما يجب عليهم أخذه عنه، وكانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة، فكان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه والوثوق به، وفي كونه من أنفسهم شرف لهم، كقوله: وإنه لذكر لك ولقومك [الزخرف: 44] وفي قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقراءة فاطمة -رضي الله عنها-: (من أنفسهم) أي: من أشرفهم؛ لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل، ومضر ذروة نزار بن معد بن عدنان، وخندف ذروة مضر، ومدركة ذروة خندف، وقريش ذروة مدركة، وذروة قريش محمد، صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                وفيما خطب به أبو طالب في تزويج خديجة -رضي الله عنها- وقد حضر معه بنو هاشم ورؤساء مضر: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس.

                                                                                                                                                                                                ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله من لا يوزن به [ ص: 654 ] فتى من قريش إلا رجح به، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل.

                                                                                                                                                                                                وقرئ: (لمن من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم)، وفيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                أن يراد: لمن من الله على المؤمنين منه أو بعثه إذ بعث فيهم، فحذف لقيام الدلالة، أو يكون "إذ" في محل الرفع كـ"إذا" في قولك، أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما، بمعنى: لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه يتلو عليهم آياته : بعدما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي، "ويزكيهم": ويطهرهم من دنس القلوب بالكفر ونجاسة سائر الجوارح بملابسة المحرمات وسائر الخبائث، وقيل: ويأخذ منهم الزكاة ويعلمهم الكتاب والحكمة القرآن والسنة بعدما كانوا أجهل الناس وأبعدهم من دراسة العلوم، وإن كانوا من قبل من قبل بعثة الرسول لفي ضلال إن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، وتقديره: وإن الشأن والحديث كانوا من قبل في ضلال "مبين" ظاهر لا شبهة فيه.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية