الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين .

                                                                                                                                                                                                                                      لا جناح عليكم ؛ أي: لا تبعة من مهر؛ وهو الأظهر؛ وقيل: من وزر؛ إذ لا بدعة في الطلاق قبل المسيس؛ وقيل: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر النهي عن الطلاق؛ فظن أن فيه جناحا؛ فنفي ذلك؛ إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ؛ أي: ما لم تجامعوهن؛ وقرئ: "تماسوهن"؛ بضم التاء؛ في جميع المواقع؛ أي: مدة عدم مساسكم إياهن؛ على أن "ما" مصدرية؛ ظرفية؛ بتقدير المضاف؛ ونقل أبو البقاء أنها شرطية؛ بمعنى "إن"؛ فيكون من باب اعتراض الشرط على الشرط؛ فيكون الثاني قيدا للأول؛ كما في قولك: "إن تأتني إن تحسن إلي أكرمك"؛ أي: إن تأتني محسنا إلي؛ والمعنى: إن طلقتموهن غير ماسين لهن؛ وهذا المعنى أقعد من الأول؛ لما أن "ما" الظرفية إنما يحسن موقعها فيما إذا كان المظروف أمرا ممتدا؛ منطبقا على ما أضيف إليها من المدة؛ أو الزمان؛ كما في قوله (تعالى): خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ؛ وقوله (تعالى): وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ؛ ولا يخفى أن التطليق ليس كذلك؛ وتعليق الظرف بنفي الجناح ربما يوهم إمكان المسيس بعد الطلاق؛ فالوجه أن يقدر الحال مكان الزمان؛ والمدة؛ أو تفرضوا لهن فريضة ؛ أي: إلا أن تفرضوا لهن؛ أو: حتى تفرضوا لهن عند العقد مهرا؛ على أن "فريضة": "فعيلة"؛ بمعنى "مفعول"؛ والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية؛ وانتصابه على المفعولية؛ ويجوز أن يكون مصدرا؛ صيغة؛ وإعرابا؛ والمعنى أنه لا تبعة على المطلق بمطالبة المهر أصلا؛ إذا كان الطلاق قبل المسيس؛ على كل حال؛ إلا في حال تسمية المهر؛ فإن عليه حينئذ نصف المسمى. وفي حال عدم تسميته عليه المتعة؛ نصف مهر المثل؛ وأما إذا كان بعد المساس فعليه في صورة التسمية تمام المسمى؛ وفي صورة عدمها تمام مهر المثل؛ وقيل: كلمة "أو" عاطفة لمدخولها على [ ص: 234 ] ما قبلها من الفعل المجزوم؛ على معنى: ما لم يكن منكم مسيس؛ ولا فرض مهر؛ ومتعوهن : عطف على مقدر؛ ينسحب عليه الكلام؛ أي: فطلقوهن؛ ومتعوهن؛ والحكمة في إيجاب المتعة جبر إيحاش الطلاق؛ وهي: درع؛ وملحفة؛ وخمار؛ على حسب الحال؛ كما يفصح عنه قوله (تعالى): على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ؛ أي: ما يليق بحال كل منهما؛ وقرئ بسكون الدال؛ وهي جملة مستأنفة؛ لا محل لها من الإعراب؛ مبينة لمقدار المتعة؛ بالنظر إلى حال المطلق؛ إيسارا؛ وإقتارا؛ أو حال من فاعل "متعوهن"؛ بحذف الرابط؛ أي: على الموسع منكم.. إلخ.. أو على جعل الألف واللام عوضا من المضاف إليه؛ عند من يجوزه؛ أي: على موسعكم.. إلخ.. وهذا إذا لم يكن مهر مثلها أقل من ذلك؛ فإن كان أقل فلها الأقل من نصف مهر المثل؛ ومن المتعة؛ ولا ينقص عن خمسة دراهم؛ متاعا ؛ أي: تمتيعا؛ بالمعروف ؛ أي: بالوجه الذي تستحسنه الشريعة؛ والمروءة؛ حقا ؛ صفة لـ "متاعا"؛ أو مصدر مؤكد؛ أي: حق ذلك حقا؛ على المحسنين ؛ أي: الذين يحسنون إلى أنفسهم بالمسارعة إلى الامتثال؛ أو إلى المطلقات؛ بالتمتيع بالمعروف؛ وإنما سموا "محسنين" اعتبارا للمشاركة؛ وترغيبا؛ وتحريضا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية