الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          انتقل بهم خليل الله من مرتبة الاستنكار إلى مرتبة الإيجاب; لأن التخلية قبل التحلية؛ فبين لهم من الله الذي يعبده؛ وتجب عبادته؛ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين "بل "؛ للإضراب والرد؛ وإبطال عبادتهم؛ وبيان أن التماثيل ليست أربابا؛ بل الرب واحد؛ وهو رب السماوات والأرض؛ الذي قام عليهن؛ و "ربهما "؛ وهو الحي القيوم؛ "الذي فطرهن "؛ الذي خلقهن من عدم؛ وأنشأهن في هذا الوجود؛ وعبر بقوله: "فطرهن "؛ بدل "خلقهن "؛ للإشارة إلى أنه شق الأرض من السماء؛ أو شق الوجود كله [ ص: 4884 ] من وحدة كانت تجمعه؛ كما قال (تعالى) - من قبل؛ في هذه السورة -: أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي ؛ وقد ذكرنا هذا المعنى في هذه الآية.

                                                          وقد أكد - عليه السلام - أن هذا هو ربهم؛ وليست تلك التماثيل؛ بأنه يعلم ذلك؛ ويؤكد لهم علمه؛ فقال الخليل - عليه السلام -: وأنا على ذلكم من الشاهدين هذا تأكيد لعلمه بذلك؛ وهو الثقة فيهم؛ والمرشد الأمين عندهم؛ وأنه لا يكذبهم فيما يقول: وأنا على ذلكم من الشاهدين يلاحظ فيها أمور ثلاثة؛ أولها أنه قدم الجار والمجرور "على ذلكم "؛ على متعلقها؛ "من الشاهدين "؛ لأهمية هذه الشهادة؛ ثانيها التعبير بالجمع في الخطاب؛ لأن المخاطبين جمع؛ لا فرد؛ وكذلك كلما كان اسم الإشارة يخاطب به جمع؛ وإذا لم تكن كذلك بأن كان الخطاب للواحد؛ لا تجيء الميم؛ وقد حسب بعض الكتاب أن الأمرين جائزان؛ وذلك غير صحيح؛ إنما تكون إذا كان المخاطب جمعا؛ وتكون فيما عدا ذلك من غير الميم; لأنه إذا لم يكن جمعا كان المخاطب محمدا - صلى الله عليه وسلم؛ والثالث أن "من الشاهدين "؛ معناها من العالمين علما يشبه علم المشاهدة والمعاينة؛ فالدليل عنده يثبت اليقين؛ كالمعاينة التي يراها ويشهدها.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية