الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب التسوية بين القوي والضعيف ومن قاتل ومن لم يقاتل 3354 - ( عن ابن عباس قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا قال فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوا بها ، فلما فتح الله عليهم قال المشيخة : كنا ردءا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى فأبى الفتيان وقالوا : جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا ، فأنزل الله عز وجل : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } ، إلى قوله عز وجل : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } . يقول فكان ذلك خيرا لهم ، وكذلك هذا أيضا ، فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء } . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            3355 - ( وعن عبادة بن الصامت قال : { خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو ، فانطلقت طائفة في أثرهم يهزمون ويقتلون ، وأكبت طائفة على الغنائم يحوونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم ، نحن حويناها وجمعناها ، فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم لستم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة [ ص: 319 ] فاشتغلنا به ، فنزلت : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } . فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين ، وفي لفظ مختصر فينا - أصحاب بدر - نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله في رسوله صلى الله عليه وسلم فقسمه فينا على بواء يقول على السواء } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            3356 - ( عن سعد بن مالك قال : { قلت يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم ، أيكون سهمه وسهم غيره سواء ؟ قال : ثكلتك أمك ابن أم سعد ، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            3357 - ( وعن مصعب بن سعد قال : رأى سعد أن له فضلا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم { هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم } ، رواه البخاري والنسائي ) .

                                                                                                                                            3358 - ( وعن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أبغوني ضعفاءكم فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم } . رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري . وأخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو الفتح في الاقتراح على شرط البخاري .

                                                                                                                                            وحديث عبادة قال في مجمع الزوائد : رجال أحمد ثقات انتهى .

                                                                                                                                            وأخرجه أيضا الطبراني ، وأخرج نحوه الحاكم عنه .

                                                                                                                                            وحديث سعد بن مالك في إسناده محمد بن راشد المكحولي . قال في التقريب : صدوق يهم .

                                                                                                                                            وحديث أبي الدرداء سكت عنه أبو داود ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وللنسائي زيادة تبين المراد من الحديث ولفظها : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " إنما نصر هذه الأمة بضعفائها ; بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " .

                                                                                                                                            قوله : ( من النفل ) بفتح النون والفاء زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ، ومنه نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض . وقال في القاموس : النفل محركة الغنيمة والهبة ، والجمع أنفال ونفال . قوله : ( ولزم المشيخة ) بفتح الميم كما في شمس العلوم هو جمع شيخ ، ويجمع أيضا على شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشايخ . قوله : ( ردءا ) بكسر الراء وسكون الدال بعده همزة : هو العون والمادة على ما في القاموس . والمراد بقوله : " لفئتم " : أي رجعتم إلينا . [ ص: 320 ] قوله : ( فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء ) فيه دليل على أنها إذا انفردت منه قطعة فغنمت شيئا كانت الغنيمة للجميع . قال ابن عبد البر : لا يختلف الفقهاء في ذلك : أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى . وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام ، فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو ، بل قال ابن دقيق العيد : إن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه ، قال : وإنما قالوا : هو بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق ) أي قسمها بسرعة في قدر ما بين الحلبتين . وقيل : المراد فضل في القسمة ، فجعل بعضهم أفوق من بعض على قدر عنايته . قوله : ( على بواء ) بفتح الموحدة والواو بعدها همزة ممدودة وهو السواء كما فسره المصنف رحمه الله.

                                                                                                                                            قوله : ( حامية القوم ) بالحاء المهملة ، قال في القاموس : والحامية : الرجل يحمي أصحابه والجماعة أيضا حامية ، وهو على حامية القوم : أي آخر من يحميهم في مضيهم انتهى . قوله : ( رأى سعد ) أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه . قال في الفتح : وصورة هذا السياق مرسلة لأن مصعبا لم يدرك زمان هذا القول ، لكنه محمول على أنه سمع ذلك من أبيه . وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي ، فأخرج من طريق معاذ بن هانئ حديث محمد بن طلحة ، فقال فيه : عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله ، وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه : { أنه ظن أن له فضلا على من دونه } الحديث .

                                                                                                                                            ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ، ولفظه : { ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين } أخرجه أبو نعيم في ترجمته في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن عمرو بن مرة وقال : غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام ، والمراد بقوله : " رأى سعد " : أي ظن كما هو رواية النسائي . قوله : ( على من دونه ) أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما هو مصرح به في رواية النسائي أيضا ، وسبب ذلك ما له من الشجاعة والإقدام في ذلك الموطن . قوله : ( هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ) قال ابن بطال : تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا . وقال المهلب : أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة . وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها ، فقال : " قال سعد : يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره ؟ " فذكر [ ص: 321 ] الحديث ، وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة ، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن سهام المقاتلة سواء ، فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته ، فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه .

                                                                                                                                            قوله : ( أبغوني ضعفاءكم ) أي اطلبوا لي ضعفاءكم . قال في القاموس : بغيته أبغيه بغاء وبغى وبغية بضمهن وبغية بالكسر طلبته كابتغيته وتبغيته واستبغيته ، والبغية ما ابتغي كالبغية . قال : وأبغاه الشيء : طلبه له كبغاه إياه : كرماه أو أعانه على طلبه انتهى . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية