الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب جواز تنفيل بعض الجيش لبأسه وغنائه أو تحمله مكروها دونهم 3359 - ( عن سلمة بن الأكوع ، وذكر قصة إغارة عبد الرحمن الفزاري على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنقاذه منه قال : فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة ، قال : ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الفارس وسهم الراجل فجعلهما لي جميعا } . رواه أحمد ومسلم وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3360 - ( وعن سعد بن أبي وقاص قال : { جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، بسيف فقلت : يا رسول الله إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو ، فهب لي هذا السيف ، فقال : إن هذا السيف ليس لي ولا لك ، فذهبت وأنا أقول : يعطاه اليوم من لم يبل بلائي ، فبينا أنا إذ جاءني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أجب ، فظننت أنه نزل في شيء بكلامي فجئت ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك ، وإن الله قد جعله لي فهو لك ، ثم قرأ : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } إلى آخر الآية } . رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث سعد بن أبي وقاص عزاه المنذري في مختصر السنن إلى مسلم والترمذي والنسائي وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . قوله : ( عبد الرحمن الفزاري ) هو ابن عيينة بن حصن . وعن ابن إسحاق أن رأس القوم الذين أغاروا على السرح هو عيينة بن حصن . قوله : ( سرح ) بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها حاء مهملة . قال في القاموس : السرح المال السائم ، وسوم المال كالسروح ، وإسامتها كالتسريح ، انتهى . ولفظ البخاري : " كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى " واللقاح [ ص: 322 ] بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة : ذوات الدر من الإبل ، واحدتها لقحة بالكسر وبالفتح أيضا ، واللقوح : الحلوب ، وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة . قال : وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته ، فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة ، والقصة مبسوطة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما .

                                                                                                                                            قوله : ( واستنقاذه ) أي السرح ( منه ) أي من عبد الرحمن المذكور . قوله : ( ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش ببعض الغنيمة إذا كان له من العناية والمقاتلة ما لم يكن لغيره . وقال عمرو بن شعيب : ذلك مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده ، وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع أو الثلث قبل القسمة أو نحو ذلك ، لأن القتال حينئذ يكون للدنيا فلا يجوز . قال في الفتح : وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته . وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال

                                                                                                                                            واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك ، فروي عنه أنه من أصل الغنيمة ، وروي عنه أنه من الخمس وروي عنه أنه من خمس الخمس ، والأصح عند الشافعية أنه من خمس الخمس ، ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم ، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يرد هذا القول . وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم : النفل من أصل الغنيمة ، وإلى ذلك ذهب الهادوية . وقال مالك وطائفة : لا نفل إلا من الخمس . قال الخطابي : أكثر ما روي من الأخبار يدل على أن النفل من أصل الغنيمة . قال ابن عبد البر : إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة ، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث ، وسيأتي بيان الخلاف في المقدار الذي يجوز تنفيله .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية