الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3431 باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي، في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص232-234 ج12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ; قال دخلت المسجد، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون عليه. فأتيتهم، فجلست إليه. فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سفر. فنزلنا منزلا. فمنا من يصلح خباءه. ومنا من ينتضل. ومنا من هو في جشره. إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة. [ ص: 262 ] فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "إنه لم يكن نبي قبلي، إلا كان حقا عليه: أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم. وإن أمتكم هذه، جعل عافيتها في أولها. وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا. وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثم تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى الناس: الذي يحب أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر" فدنوت منه، فقلت له: أنشدك الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه، وقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمك: معاوية، يأمرنا: أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا. والله يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما . قال فسكت ساعة، ثم قال أطعه في طاعة الله. واعصه في معصية الله ] .

                                                                                                                              [ ص: 263 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 263 ] (الشرح)

                                                                                                                              ( عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة) الصائدي. منسوب إلى "صائد". بطن من "همدان". وقد اجتمع مسلم، والبخاري، والسمعاني: على الصائدي. وقال عياض : هو غلط. وصوابه: "العائذي". قاله ابن الحباب والنسابة. انتهى. والصواب: الأول.

                                                                                                                              ( قال: دخلت المسجد، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما، ( جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون عليه، فأتيتهم، فجلست إليه. فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم، في سفر. فنزلنا منزلا. فمنا من يصلح خباءه. ومنا من ينتضل) هو من "المناضلة"، وهي المراماة بالنشاب.

                                                                                                                              ( ومنا من هو في جشره) بفتح الجيم والشين. وهي الدواب التي ترعى، وتبيت مكانها.

                                                                                                                              ( إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم: الصلاة جامعة) بنصب "الصلاة" على الإغراء، وجامعة على الحال.

                                                                                                                              ( فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: إنه لم يكن نبي قبلي، إلا كان حقا عليه: أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم. وإن أمتكم هذه، جعل عافيتها في أولها. وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا) هذه اللفظة، رويت على أوجه;

                                                                                                                              [ ص: 264 ] أحدها ( وهو الذي نقله عياض، عن جمهور الرواة) : "يرقق" بضم الياء وفتح الراء، وبقافين. أي: يصير بعضها رقيقا. أي: خفيفا. لعظم ما بعده. فالثاني يجعل الأول رقيقا.

                                                                                                                              وقيل: معناه: يشبه بعضها بعضا.

                                                                                                                              وقيل: يدور بعضها في بعض، ويذهب ويجيء.

                                                                                                                              وقيل: معناه يسوق بعضها إلى بعض، لتحسينها وتسويلها.

                                                                                                                              والوجه الثاني: "فيرفق" بفتح الياء وإسكان الراء، وبعدها فاء مضمومة.

                                                                                                                              والثالث: "فيدفق" بالدال المهملة الساكنة، وبالفاء المكسورة. أي: يدفع ويصب. والدفق:: الصب.

                                                                                                                              ( وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثم تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة: فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) . هذا، من جوامع كلمه صلى الله عليه وآله وسلم، وبديع حكمه. وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها. وأن الإنسان يلزم: أن لا يفعل مع الناس، إلا ما يحب أن يفعلوه معه.

                                                                                                                              ( ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر) معناه: ادفعوا الثاني، فإنه [ ص: 265 ] خارج على الإمام. فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال، فقاتلوه. فإن دعت المقاتلة إلى قتله، جاز قتله، ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله.

                                                                                                                              ( فدنوت منه، فقلت له: أنشدك الله! آنت سمعت هذا، من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه، وقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي، فقلت له: هذا ابن عمك: "معاوية"، يأمرنا: أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا. والله عز وجل يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) .

                                                                                                                              المقصود بهذا الكلام: أن هذا القائل، لما سمع كلام عبد الله بن عمرو، وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يقتل: فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية، لمنازعته عليا رضي الله عنه. وكانت قد سبقت بيعة علي. فرأى هذا: أن نفقة "معاوية" على أجناده وأتباعه في حرب علي رضي الله عنه ومنازعته ومقاتلته إياه: من أكل المال بالباطل، ومن قتل النفس. لأنه قتال بغير حق. فلا يستحق أحد مالا، في مقاتلته.

                                                                                                                              [ ص: 266 ] ( قال: فسكت ساعة. ثم قال: أطعه في طاعة الله. واعصه في معصية الله عز وجل) .

                                                                                                                              هذا فيه دليل: لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر، من غير إجماع ولا عهد.




                                                                                                                              الخدمات العلمية