الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ فرق عظيم بين المقلد والمأموم ]

الوجه التاسع والستون : قولكم " : إنكم في تقليدكم بمنزلة المأموم مع الإمام والمتبوع مع التابع فالركب خلف الدليل " جوابه إنا والله حولها ندندن ، ولكن الشأن في الإمام والدليل والمتبوع الذي فرض الله على الخلائق أن تأتم به وتتبعه وتسير خلفه ، وأقسم سبحانه بعزته أن العباد لو أتوه من كل طريق أو استفتحوا من كل باب لم يفتح لهم حتى يدخلوا خلفه ; فهذا لعمر الله هو إمام الخلق ودليلهم وقائدهم حقا .

ولم يجعل الله منصب الإمامة بعده إلا لمن دعا إليه ، ودل عليه ، وأمر الناس أن يقتدوا به ، ويأتموا به ، ويسيروا خلفه ، وأن لا ينصبوا لنفوسهم متبوعا ولا إماما ولا دليلا غيره ، بل يكون العلماء مع الناس بمنزلة أئمة الصلاة مع المصلين ، كل واحد يصلي طاعة لله وامتثالا لأمره ، وهم في الجماعة متعاونون متساعدون بمنزلة الوفد مع الدليل ، كلهم يحج طاعة لله وامتثالا لأمره ، لا أن المأموم يصلي لأجل كون الإمام يصلي ، بل هو يصلي صلى إمامه أو لا .

بخلاف المقلد ; فإنه إنما ذهب إلى قول متبوعه لأنه قاله ، لا لأن الرسول قاله ، ولو كان كذلك لدار مع قول الرسول أين كان ولم يكن مقلدا .

فاحتجاجهم بإمام الصلاة ودليل الحاج من أظهر الحجج عليهم .

يوضحه الوجه السبعون : أن المأموم قد علم أن هذه الصلاة التي فرضها الله سبحانه على عباده ، وأنه وإمامه في وجوبها سواء ، وأن هذا البيت هو الذي فرض الله حجه على كل من استطاع إليه سبيلا ، وأنه هو والدليل في هذا الفرض سواء ، فهو لم يحج تقليدا للدليل ، ولم يصل تقليدا للإمام .

وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم دليلا يدله على طريق المدينة لما هاجر الهجرة التي فرضها الله عليه ، وصلى خلف عبد الرحمن بن عوف مأموما ، والعالم يصلي خلف مثله ومن هو دونه ، بل خلف من ليس بعالم ، وليس من تقليده في شيء .

[ ص: 189 ] يوضحه الوجه الحادي والسبعون : أن المأموم يأتي بمثل ما يأتي به الإمام سواء ، والركب يأتون بمثل ما يأتي به الدليل ، ولو لم يفعلا ذلك لما كان هذا متبعا ، فالمتبع للأئمة هو الذي يأتي بمثل ما أتوا به سواء من معرفة الدليل وتقديم الحجة وتحكيمها حيث كانت ومع من كانت ; فهذا يكون متبعا لهم ، وأما مع إعراضه عن الأصل الذي قامت عليه إمامتهم ويسلك غير سبيلهم ثم يدعي أنه مؤتم بهم فتلك أمانيهم ، ويقال لهم { هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } .

التالي السابق


الخدمات العلمية