الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 371 ] ولما أمر بتزكية النفس أتبعه الإعلام بأن منها تزكية الغير، لأن ذلك أدل على الإخلاص، وأجدر بالخلاص، كما دل عليه مثل السفينة الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يأمر بالمعروف ومن يتركه فقال وأمر أهلك بالصلاة كما كان أبوك إسماعيل عليه السلام، ليقودهم إلى كل خير إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولم يذكر الزكاة لدخولها في التزهيد بالآية التي قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت شديدة على النفس عظيمة النفع، قال واصطبر بصيغة الافتعال عليها [أي -] على فعلها، مفرغا نفسك لها وإن شغلتك عن بعض [أمر -] المعاش، لأنا لا نسألك رزقا أي لا نكلفك طلبه لنفسك ولا لغيرك، فإن ما لنا من العظمة [يأبى -] أن نكلفك أمرا، ولا نكفيك ما يشغلك عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت النفس بكليتها مصروفة إلى أمر المعاش، كانت كأنها تقول: فمن أين يحصل الرزق؟ فقال: نحن بنون العظمة نرزقك لك ولهم ما قدرناه لكم من أي جهة شئنا من ملكنا الواسع وإن كان يظن أنها بعيدة، ولا ينفع في الرزق حول محتال، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا تدأبوا في تحصيله والسعي فيه، فإن كلا من الجاد فيه والمتهاون به لا يناله أكثر مما قسمناه له في الأزل ولا أقل، [ ص: 372 ] فالمتقي لله المقبل على ذكره واثق بوعده قانع راض فهو في أوسع سعة، والمعرض متوكل على سعيه فهو في كد وشقاء وجهد وعناء أبدا والعاقبة أي الكاملة، وهي التي لا عاقبة في الحقيقة غيرها، وهي الحالة الجميلة المحمودة التي تعقب الأمور، أي تكون بعدها للتقوى أي لأهلها، ولا معولة على الرزق وغيره توازي الصلاة، فقد كان [رسول الله-] صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة - أخرجه أحمد عن حذيفة وعلقه البغوي في آخر سورة الحجر، وقال الطبراني في معجمه الأوسط: ثنا أحمد - هو ابن يحيى الحلواني - ثنا سعيد - هو ابن سليمان - عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة، ثم قرأ وأمر أهلك بالصلاة الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن سلام إلا بهذا الإسناد، تفرد به معمر ، وقال الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير في تفسيره: وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطران نا سيار نا جعفر عن ثابت قال: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم [ ص: 373 ] إذا أصابته خصاصة نادى أهله: يا أهلاه! صلوا صلوا" ، قال ثابت: وكان الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة، وقد روى الترمذي وابن ماجه كلاهما في الزهد - وقال الترمذي : حسن غريب - من حديث عمران بن زائدة عن أبيه عن أبي خالد الوالبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك" وروى ابن ماجه من حديث الضحاك عن الأسود عن ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك" وروى أيضا من حديث عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية