الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : كذلك نقص عليك كلام مستأنف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة ، وذلك إشارة إلى اقتصاص حديث موسى عليه السلام وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الفضل ، ومحل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر مقدر ، أي : نقص عليك من أنباء ما قد سبق من الحوادث الماضية الجارية على الأمم الخالية قصا مثل ذلك القص المار ، والتقديم للقصر المفيد لزيادة التعيين . و"من" في قوله تعالى : "من أنباء" في حيز النصب ، إما على أنه مفعول نقص باعتبار مضمونه ، وإما على أنه متعلق بمحذوف هو صفة للمفعول ، كما في قوله تعالى : ومنا دون ذلك أي : جمع دون ذلك ، والمعنى : نقص عليك بعضا من أنباء ما قد سبق ، أو بعضا كائنا من أنباء ما قد سبق ، وقد مر تحقيقه في تفسير قوله تعالى : ومن الناس من يقول ... إلخ وتأخيره عن "عليك" لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ، أي : مثل ذلك القص البديع الذي سمعته نقص عليك ما ذكر من الأنباء ، لا قصا ناقصا عنه تبصرة لك وتوفيرا لعلمك وتكثيرا لمعجزاتك وتذكرا للمستبصرين من امتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد آتيناك من لدنا ذكرا أي : كتابا منطويا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار ، وكلمة "من" متعلقة بـ "آتيناك" . وتنكير "ذكرا" للتفخيم ، وتأخيره عن الجار والمجرور لما أن مرجع الإفادة في الجملة كون المؤتى من لدنه تعالى ذكرا عظيما وقرآنا كريما جامعا لكل كمال ، لا كون ذلك الذكر مؤتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طول بما بعده من [ ص: 41 ] الصفة فتقديمه يذهب برونق النظم الكريم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية