الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان : شيخ الإسلام العلامة تقي الدين ابن تيمية ، كما تقدم ذكر ذلك في الحوادث ، وسنفرد له ترجمة على حدة ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشريف العالم الزاهد المحدث أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن العلوي الحسيني الغرافي الإسكندري الشافعي ، سمع الكثير ، وحفظ " الوجيز " في الفقه ، و " الإيضاح " في النحو ، وكان زاهدا متقللا من الدنيا ، وبلغ تسعين سنة وعقله وعلمه وذهنه ثابت متيقظ ، ولد سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، وتوفي يوم الجمعة خامس المحرم ، ودفن بالإسكندرية بين [ ص: 305 ] الماوين ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشمس محمد بن عيسى التدمري ، كانت فيه شهامة وصرامة ، وكان يكون بين يدي الشيخ تقي الدين ابن تيمية كالمنفذ لما يأمر به وينهى عنه ، ويرسله إلى الأمراء وغيرهم في الأمور المهمة ، وله معرفة ومروءة ، يبلغ رسالته على أتم الوجوه ، توفي في الخامس من صفر بالقبيبات ، ودفن عند الجامع الكريمي ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الصالح أبو بكر بن شرف بن محسن بن معن بن عمار الصالحي ، ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، وسمع الكثير صحبة الشيخ تقي الدين ابن تيمية والمزي ، وكان ممن يحب الشيخ تقي الدين ، وكان معهما كالخادم لهما ، وكان فقيرا ذا عيال ، يتناول من الزكاة والصدقات ما يقوم بأوده ، وأقام في آخر عمره بحمص ، وكان فصيحا مفوها ، له تعاليق وتصانيف في الأصول وغيرها ، وكان له عبادة وفيه خير وصلاح ، وكان يتكلم على الناس بعد صلاة الجمعة إلى العصر من حفظه ، وقد اجتمعت به غير مرة صحبة شيخنا المزي حين قدم من حمص ، فكان قوي العبارة فصيحها ، متوسطا في العلم ، له ميل إلى التصوف والكلام في الأحوال ، والأعمال ، والقلوب ، وغير ذلك ، وكان يكثر [ ص: 306 ] ذكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، توفي بحمص في الثاني والعشرين من صفر من هذه السنة ، وقد كان الشيخ يحض الناس على الإحسان إليه ، وكان يعطيه ويرفده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن الدواليبي البغدادي ، الشيخ الصالح العالم العابد الرحلة المسند المعمر عفيف الدين ، أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن بن عبد الغفار البغدادي الأزجي الحنبلي ، المعروف بابن الدواليبي ، شيخ دار الحديث المستنصرية ، ولد في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، وسمع الكثير ، وله إجازات عالية ، واشتغل بحفظ " الخرقي " ، وكان فاضلا في النحو وغيره ، وله شعر حسن ، وكان رجلا صالحا ، جاوز التسعين ، وصار رحلة العراق ، وتوفي يوم الخميس رابع عشرين جمادى الأولى ، ودفن بمقبرة الإمام أحمد في مقابر الشهداء ، رحمه الله ، وقد أجازني فيمن أجاز من مشايخ بغداد ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة شمس الدين بن الحريري أبو عبد الله محمد بن صفي الدين أبي عمرو عثمان بن أبي الحسن بن عبد الوهاب الأنصاري الحنفي ، ولد سنة ثلاث وخمسين ، وسمع الحديث ، واشتغل ، وقرأ [ ص: 307 ] " الهداية " ، وكان فقيها جيدا ، ودرس بأماكن كثيرة بدمشق ، ثم ولي القضاء بها ، ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية ، فباشر بها مدة طويلة ، محفوظ العرض ، لا يقبل من أحد هدية ، ولا تأخذه في الحكم لومة لائم ، وكان يقول : إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن ؟ وقال لبعض أصحابه : أتحب الشيخ تقي الدين ؟ قال : نعم . قال : والله لقد أحببت شيئا مليحا . توفي رحمه الله يوم السبت رابع جمادى الآخرة ودفن بالقرافة ، وكان قد عين لمنصبه القاضي برهان الدين بن عبد الحق ، فنفذت وصيته بذلك ، وأرسل إليه إلى دمشق فأحضر ، فباشر الحكم بعده وجميع جهاته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام العالم المقرئ شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ الإمام تقي الدين محمد بن جبارة بن عبد الولي بن جبارة المقدسي المرداوي الحنبلي ، شارح " الشاطبية " ، ولد سنة تسع وأربعين وستمائة ، وسمع الكثير ، وعني بفن القراءات فبرز فيه ، وانتفع الناس به ، وقد أقام بمصر مدة ، واشتغل بها على القرافي في أصول الفقه ، وتوفي بالقدس رابع رجب ، رحمه الله ، كان يعد من الصلحاء الأخيار ، سمع عن خطيب مردى وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن العاقولي البغدادي ، الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو محمد [ ص: 308 ] عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي العاقولي ، ثم البغدادي الشافعي ، مدرس المستنصرية مدة طويلة ، نحوا من أربعين سنة ، وباشر نظر الأوقاف ، وعين لقضاء القضاة في وقت ، ولد ليلة الأحد عاشر رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، وسمع الحديث ، وبرع ، واشتغل ، وأفتى من سنة سبع وخمسين إلى أن مات ، وذلك مدة إحدى وسبعين سنة ، وهذا شيء غريب جدا ، وكان قوي النفس ، له وجاهة في الدولة ، فكم كشف كربة عن الناس بسعيه وقصده ، توفي ليلة الأربعاء رابع عشرين من شوال ، وقد جاوز التسعين سنة ، ودفن بداره ، وقد كان قد أوقفها على شيخ وعشرة صبيان يسمعون القرآن ويحفظونه ، وأوقف عليها أملاكه كلها ، تقبل الله منه ورحمه ، ودرس بعده بالمستنصرية قاضي القضاة قطب الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الصالح العالم العابد التاجر البار شمس الدين محمد بن داود بن محمد بن منتاب السلامي البغدادي ، أحد ذوي اليسار ، وله بر تام بأهل العلم ، ولا سيما أصحاب الشيخ تقي الدين ، وقد أوقف كتبا كثيرة ، وحج مرات ، توفي ليلة الأحد الرابع والعشرين من ذي القعدة بعد وفاة الشيخ تقي الدين بأربعة أيام ، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة ، ودفن بباب الصغير ، رحمه [ ص: 309 ] الله ، وأكرم مثواه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الليلة توفيت الوالدة مريم بنت فرج بن مفرج بن علي ، من قرية كان الوالد خطيبا بها - وهي مجيدل القرية - سنة ثلاث وسبعمائة ، وصلي عليها بعد الجمعة ، ودفنت بالصوفية شرقي قبر الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، رحمها الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية