الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضي الحرب 3391 - ( عن أبي موسى قال : { بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا ، مهاجرين إليه أنا وأخوان لي ، أحدهما أبو بريدة ، والآخر أبو رهم ، إما قال في بضعة ، وإما قال في ثلاثة وخمسين ، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي قال : فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده ، فقال جعفر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة ، قال فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا ، أو قال : أعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم معهم } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            3392 - ( وعن أبي هريرة أنه حدث سعيد بن العاص { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد ، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها وأن حزم خيلهم ليف ، فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله ، قال أبو هريرة : فقلت : لا تقسم لهم يا رسول الله ، قال أبان : أنت بها يا وبر تحدر علينا من رأس ضال . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اجلس يا أبان ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه أبو داود ، وأخرجه البخاري تعليقا ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ظاهره أنه لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد [ ص: 338 ] الهجرة بمدة طويلة ، وهذا إذا أراد بالمخرج البعثة ، وإن أراد الهجرة فيحتمل أن يكون بلغتهم الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا فعزموا بالهجرة عليها ، وإنما تأخروا هذه المدة لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك ، وأما لعلمهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار ، فلما بلغتهم المهادنة أمنوا وطلبوا الوصول إليه . وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه : { خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا إلى مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة } وصححه ابن حبان من هذا الوجه .

                                                                                                                                            ويجمع بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ، ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة ، لأن ذلك كان حال الهدنة . قوله : ( أنا وأخوان لي ) زاد البخاري : " أنا أصغرهم " واسم أبي بردة عامر ، وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء اسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية ، قاله ابن عبد البر ، وجزم ابن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد .

                                                                                                                                            وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء . قوله : ( إما قال في بضعة . . . إلخ ) . قد بين في الرواية المتقدمة أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه ، فلعل الزائد على ذلك هو أبو موسى وإخوته ، فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم ، ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من إخوته .

                                                                                                                                            وأخرجه البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين ، والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والأتباع . وقال ابن إسحاق : كانوا ستة عشر رجلا ، وقيل أقل . قوله : ( فوافقنا جعفر بن أبي طالب ) أي بأرض الحبشة . قد سمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا . قوله : ( وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يجتهد في الغنيمة ويعطي بعض من حضر من المدد دون بعض ، فإنه صلى الله عليه وسلم أعطى من قدم مع جعفر ولم يعط غيرهم .

                                                                                                                                            وقد استدل به أبو حنيفة على قوله المتقدم أنه يسهم للمدد . وقال ابن التين : يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش ، وبهذا جزم موسى بن عقبة في مغازيه ، ويحتمل أن يكون أعطاهم من الخمس . وبهذا جزم أبو عبيد في كتاب الأموال . ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها ، وهو أحد الأقوال للشافعي . قد احتج أبو حنيفة بإسهامه صلى الله عليه وسلم لعثمان يوم بدر كما تقدم في باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة . وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن ذلك خاص به وبمن كان مثله . ومنها أن ذلك كان حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول قوله تعالى: [ ص: 339 ] { يسألونك عن الأنفال } ومنها أنه أعطاه من الخمس على فرض أن يكون ذلك بعد فرض الخمس . ومنها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الإمام فيسهم له بخلاف غيره ، وهذا مشهور مذهب مالك . وقال ابن بطال : لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير من شهد الوقعة إلا في خيبر ، فهي مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم ، وكذلك أعطىالأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند قدومهم عليهم .

                                                                                                                                            وقال الطحاوي : يحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى الأشعريين وغيرهم ، ومما يؤيد أنه لا نصيب لمن جاء بعد الفراغ من القتال ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وابن أبي شيبة أن عمر قال " الغنيمة لمن شهد الوقعة " وأخرجه الطبراني والبيهقي مرفوعا وموقوفا . وقال الصحيح موقوف . وأخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن علي موقوفا . ورواه الشافعي من قول أبي بكر وفيه انقطاع قوله : ( وإن حزم ) بمهملة وزاي مضمومتين . وقوله ( ليف ) بكسر اللام وسكون التحتية بعدها فاء وهو معروف .

                                                                                                                                            قوله : ( يا وبر ) بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية . ونقل أبو علي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا . قال الخطابي : أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا بمنع ، وأنه قليل القدرة على القتال ، ومعنى قوله : " وأنت بها " أي وأنت بهذا المكان والمنزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده . ولفظ البخاري " وأنت بهذا " . قوله : ( تحدر ) بالحاء المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا .

                                                                                                                                            وفي رواية للبخاري " تدلى " وهو بمعناه .

                                                                                                                                            وفي رواية له أيضا " تدأدأ " بمهملتين بينهما همزة ساكنة ، قيل أصله تدهده ، فأبدلت الهاء همزة ، وقيل الدأدأة : صوت الحجارة في المسيل قوله : ( من رأس ضال ) فسر البخاري الضال بالسدر كما في رواية المستملي ، وكذا قال أهل اللغة : إنه السدر البري .

                                                                                                                                            وفي رواية للبخاري من رأس ضأن بالنون ، قيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم ، وقيل هو جبل دوس وهم قوم أبي هريرة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية