الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قاعدة في التعريف والتنكير :

اعلم أن لكل منهما مقاما لا يليق بالآخر :

أما التنكير فله أسباب :

أحدها : إرادة الوحدة نحو : وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى [ القصص : 20 ] أي : رجل واحد . و ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل [ الزمر : 29 ] .

الثاني : إرادة النوع نحو : هذا ذكر [ ص : 49 ] أي : نوع من الذكر . وعلى أبصارهم غشاوة [ البقرة : 7 ] أي : نوع غريب من الغشاوة لا يتعارفه الناس ، بحيث غطى ما لا يغطيه شيء من الغشاوات . ولتجدنهم أحرص الناس على حياة [ البقرة : 96 ] أي : نوع منها ، وهو الازدياد في المستقبل ; لأن الحرص لا يكون على الماضي ولا على الحاضر .

ويحتمل الوحدة والنوعية معا قوله : والله خلق كل دابة من ماء [ النور : 45 ] أي : كل نوع من أنواع الدواب من نوع من أنواع الماء ، وكل فرد من أفراد الدواب من فرد من أفراد النطف .

الثالث : التعظيم : بمعنى أنه أعظم من أن يعين ويعرف ، نحو : فأذنوا بحرب [ البقرة : 279 ] أي : بحرب أي حرب ولهم عذاب أليم [ البقرة : 10 ] . وسلام عليه يوم ولد [ مريم : 15 ] سلام على إبراهيم [ الصافات : 109 ] . أن لهم جنات [ البقرة : 25 ] .

الرابع : التكثير نحو : أئن لنا لأجرا [ الشعراء : 41 ] أي : وافرا جزيلا .

ويحتمل التعظيم والتكثير معا ، نحو : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل [ فاطر : 4 ] أي : رسل عظام ذوو عدد كثير .

[ ص: 568 ] الخامس : التحقير : بمعنى انحطاط شأنه إلى حد لا يمكن أن يعرف ، نحو : إن نظن إلا ظنا [ الجاثية : 32 ] أي : ظنا حقيرا لا يعبأ به ، وإلا لاتبعوه ; لأن ذلك ديدنهم ، بدليل : إن يتبعون إلا الظن [ الأنعام : 116 ] . من أي شيء خلقه [ عبس : 18 ] أي : من شيء حقير مهين ، ثم بينه بقوله : من نطفة خلقه [ عبس : 19 ] .

السادس : التقليل نحو : ورضوان من الله أكبر [ التوبة : 72 ] أي : رضوان قليل منه أكبر من الجنات ; لأنه رأس كل سعادة .


قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقال له قليل



وجعل منه الزمخشري : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا [ الإسراء : 1 ] أي : ليلا قليلا ، أي : بعض ليل .

وأورد عليه : أن التقليل رد الجنس إلى فرد من أفراده ، لا تنقيص فرد إلى جزء من أجزائه ، وأجاب في " عروس الأفراح " بأنا لا نسلم أن الليل حقيقة في جميع الليلة ، بل كل جزء من أجزائها يسمى ليلا .

وعد السكاكي من الأسباب : ألا يعرف من حقيقته إلا ذلك ، وجعل منه أن تقصد التجاهل ، وأنك لا تعرف شخصه ، كقولك : هل لك في حيوان على صورة إنسان يقول : كذا ؟ وعليه من تجاهل الكفار : هل ندلكم على رجل ينبئكم [ سبإ : 7 ] كأنهم لا يعرفونه .

وعد غيره منها قصد العموم ، بأن كانت في سياق النفي ، نحو : لا ريب فيه [ البقرة : 2 ] فلا رفث [ البقرة : 197 ] الآية .

أو الشرط ، نحو : وإن أحد من المشركين استجارك [ التوبة : 6 ] .

أو الامتنان ، نحو : وأنزلنا من السماء ماء طهورا [ الفرقان : 48 ] .

وأما التعريف فله أسباب :

فبالإضمار : لأن المقام مقام التكلم أو الخطاب أو الغيبة . :

وبالعلمية : لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم مختص به ، نحو : قل هو الله أحد [ الإخلاص : 1 ] . محمد رسول الله [ الفتح : 29 ] .

أو لتعظيم أو إهانة ، حيث علمه يقتضي ذلك ، فمن التعظيم : ذكر يعقوب بلقبه إسرائيل ، لما فيه من المدح والتعظيم بكونه صفوة الله ، أو سري الله ، على ما سيأتي في معناه في الألقاب . ومن الإهانة قوله : تبت يدا أبي لهب [ المسد : 1 ] وفيه أيضا نكتة أخرى ، وهي الكناية عن كونه جهنميا .

[ ص: 569 ] وبالإشارة لتمييزه أكمل تمييز بإحضاره في ذهن السامع حسا ، نحو : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه [ لقمان : 11 ] .

وللتعريض بغباوة السامع : حتى أنه لا يتميز له الشيء إلا بإشارة الحس ، وهذه الآية تصلح لذلك .

ولبيان حاله في القرب والبعد ، فيؤتى في الأول : بنحو : هذا ، وفي الثاني : بنحو : ذلك وأولئك .

ولقصد تحقيره بالقرب ، كقول الكفار أهذا الذي يذكر آلهتكم [ الأنبياء : 36 ] أهذا الذي بعث الله رسولا [ الفرقان : 41 ] ماذا أراد الله بهذا مثلا [ البقرة : 26 ] وكقوله تعالى : وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب [ العنكبوت : 64 ] .

ولقصد تعظيمه بالبعد ، نحو : ذلك الكتاب لا ريب فيه [ البقرة : 2 ] ذهابا إلى بعد درجته .

وللتنبيه - بعد ذكر المشار إليه بأوصاف قبله - على أنه جدير بما يرد بعده من أجلها ، نحو : أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون [ البقرة : 5 ] .

وبالموصولية ، لكراهة ذكره بخاص اسمه ، إما سترا عليه ، أو إهانة له أو لغير ذلك ، فيؤتى بالذي ونحوها موصولة بما صدر منه من فعل أو قول ، نحو : والذي قال لوالديه أف لكما [ الأحقاف : 17 ] . وراودته التي هو في بيتها [ يوسف : 23 ] .

وقد يكون لإرادة العموم ، نحو : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا [ فصلت : 30 ] الآية . والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا [ العنكبوت : 69 ] . إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم [ غافر : 60 ] .

وللاختصار ، نحو : لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا [ الأحزاب : 69 ] أي : قولهم إنه آدر ; إذ لو عدد أسماء القائلين لطال ; وليس للعموم ; لأن بني إسرائيل كلهم لم يقولوا في حقه ذلك .

وبالألف واللام ، للإشارة إلى معهود خارجي أو ذهني أو حضوري .

وللاستغراق حقيقة أو مجازا ، أو لتعريف الماهية ; وقد مرت أمثلتها في نوع الأدوات .

وبالإضافة لكونها أخصر طريق ، ولتعظيم المضاف ، نحو : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [ الحجر : 42 ] . ولا يرضى لعباده الكفر [ الزمر : 7 ] أي : الأصفياء في الآيتين ، كما قاله ابن عباس وغيره .

[ ص: 570 ] ولقصد العموم ، نحو : فليحذر الذين يخالفون عن أمره [ النور : 63 ] أي : كل أمر الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية