الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3403 باب لا نستعمل على عملنا من أراده

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص207-209 ج12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي بردة، قال: قال أبو موسى: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي رجلان من الأشعريين; أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري. فكلاهما سأل العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك. فقال: "ما تقول؟ يا أبا موسى! -أو يا عبد الله بن قيس!-" قال: فقلت: والذي بعثك بالحق! ما أطلعاني على ما في أنفسهما. وما شعرت أنهما يطلبان العمل. قال: وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته، وقد قلصت. فقال: "لن -أو لا- نستعمل على عملنا: من أراده. ولكن اذهب أنت. يا أبا موسى! -أو يا عبد الله بن قيس!- "فبعثه على اليمن. ثم أتبعه: معاذ بن جبل. فلما قدم عليه، قال: انزل. وألقى له وسادة. وإذا رجل عنده، موثق. قال: ما هذا؟ قال: هذا كان يهوديا فأسلم. ثم راجع دينه ( دين السوء) ، فتهود. قال: لا أجلس حتى يقتل. [ ص: 276 ] قضاء الله ورسوله. فقال: اجلس. نعم. قال: لا أجلس حتى يقتل. قضاء الله ورسوله. ( ثلاث مرات) . فأمر به. فقتل. ثم تذاكرا القيام من الليل، فقال أحدهما ( معاذ) أما أنا، فأنام وأقوم. وأرجو في نومتي: ما أرجو في قومتي ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن أبي بردة) رضي الله عنه; ( قال: قال أبو موسى: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم ومعي رجلان من الأشعريين; أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري. فكلاهما سأل العمل، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يستاك. فقال: "ما تقول؟ يا أبا موسى! - أو يا عبد الله بن قيس! - قال: فقلت: والذي بعثك بالحق! ما أطلعاني على ما في أنفسهما. وما شعرت أنهما يطلبان العمل. قال: وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته، وقد قلصت. فقال: "لن -أو لا- نستعمل على عملنا من أراده) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى عنه، عند مسلم بلفظ: "دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنا ورجلان من بني عمي. فقال أحد الرجلين: يا رسول الله! أمرنا على بعض ما ولاك الله، عز وجل. وقال الآخر مثل ذلك. فقال: "إنا والله! لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه".

                                                                                                                              [ ص: 277 ] قال أهل العلم: الحكمة في أنه لا يولي من سأل الولاية: أنه يوكل إليها، ولا تكون معه إعانة، كما سبق في حديث " ابن سمرة ". وإذا لم تكن معه إعانة، لم يكن كفوا. ولا يولى غير الكفء. ولأن فيه: تهمة للطالب، والحريص.

                                                                                                                              ( ولكن اذهب أنت. يا أبا موسى! - أو يا عبد الله بن قيس! -" فبعثه على اليمن. ثم أتبعه) بهمزة ثم تاء ساكنة: ( معاذ بن جبل) بالنصب. أي: بعثه بعده. ظاهره: أنه ألحقه به، بعد أن توجه.

                                                                                                                              ووقع في بعض النسخ: "واتبعه" بهمزة وصل وتشديد التاء. ومعاذ بالرفع.

                                                                                                                              ( فلما قدم عليه) .

                                                                                                                              وفي البخاري ، في كتاب المغازي: أن كلا منهما، كان على عمل مستقل. وأن كلا منهما، كان إذا سار في أرضه بقرب من صاحبه: أحدث به عهدا.

                                                                                                                              وفي أخرى له ": "فجعلا يتزاوران". ( قال: انزل. وألقى له وسادة) هي ما تجعل تحت رأس النائم. كذا قال النووي . قال: وكان من عادتهم: أن من أرادوا إكرامه، وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه. ففيه: إكرام الضيف بهذا ونحوه.

                                                                                                                              [ ص: 278 ] ( وإذا رجل عنده موثق. قال: ما هذا؟ قال: هذا كان يهوديا فأسلم، ثم راجع دينه -دين السوء- فتهود) قال الحافظ: ولم أقف على اسمه.

                                                                                                                              ( قال: لا أجلس حتى يقتل. قضاء الله ورسوله) صلى الله عليه وآله وسلم. "قضاء" مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف. ويجوز النصب.

                                                                                                                              ( فقال: اجلس. نعم. قال: لا أجلس حتى يقتل. قضاء الله ورسوله) صلى الله عليه وآله وسلم ( ثلاث مرات فأمر به فقتل) فيه: وجوب قتل المرتد. وقد أجمعوا على قتله. لكن اختلفوا في استتابته; هل هي واجبة أم مستحبة؟ وفي قدرها. وفي قبول توبته. وفي أن المرأة كالرجل في ذلك أم لا؟

                                                                                                                              فقال مالك، والشافعي، وأحمد، والجماهير من السلف والخلف: يستتاب. ونقل ابن القصار المالكي: إجماع الصحابة عليه.

                                                                                                                              وقال طاوس والحسن، والماجشون المالكي، وأبو يوسف، وأهل الظاهر: لا يستتاب. بل يجب قتله في الحال. ولو تاب، نفعته توبته عند الله تعالى. ولا يسقط قتله، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من بدل دينه، فاقتلوه"، وعليه يدل تصرف البخاري . فإنه استظهر بالآيات، التي لا ذكر فيها للاستتابة. والتي فيها: أن التوبة [ ص: 279 ] لا تنفع. وبقصة "معاذ" هذا. ولم يذكر غير ذلك.

                                                                                                                              وقال عطاء: إن كان ولد مسلما، لم يستتب. وإن كان ولد كافرا فأسلم ثم ارتد، يستتاب.

                                                                                                                              والأصح عند الشافعي وأصحابه: أن الاستتابة واجبة، وأنها في الحال. وله قول: أنها ثلاثة أيام. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق.

                                                                                                                              وعن علي أيضا: أنه يستتاب شهرا. وعن النخعي: يستتاب أبدا.

                                                                                                                              قال الجمهور: والمرأة كالرجل، في أنها تقتل إذا لم تتب. ولا يجوز استرقاقها. هذا مذهب الشافعي، ومالك، والجماهير.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة، وطائفة: تسجن المرأة ولا تقتل.

                                                                                                                              وعن الحسن وقتادة: أنها تسترق. وروي عن علي.

                                                                                                                              والراجح في ذلك كله: مذهب الجمهور.

                                                                                                                              قال عياض : وفيه أن لأمراء الأمصار: إقامة الحدود، في القتل وغيره. وهو مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والعلماء كافة.

                                                                                                                              وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا فقهاء الأمصار. ولا يقيمه عامل السواد.

                                                                                                                              [ ص: 280 ] قال: واختلفوا في القضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة، ليست مختصة بنوع من الأحكام;

                                                                                                                              فقال جمهور العلماء: تقيم القضاة الحدود، وينظرون في جميع الأشياء، إلا ما يختص بضبط البيضة; من إعداد الجيوش، وجباية الخراج.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا ولاية لهم في إقامة الحدود. انتهى.

                                                                                                                              ( ثم تذاكرا القيام من الليل، فقال أحدهما -معاذ-: أما أنا، فأنام وأقوم. وأرجو في نومتي: ما أرجو في قومتي) .

                                                                                                                              معناه: أني أنام، بنية القوة، وإجماع النفس للعبادة، وتنشيطها للطاعة. فأرجو في ذلك الأجر، كما أرجو في قومتي، أي: صلواتي. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية