الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره [ ص: 4898 ] إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين

                                                          هذا وصل للكلام السابق من أخبار إبراهيم ولوط والأنبياء من ذرية إبراهيم - عليهم السلام -؛ وفي قصصهم عبرة لأولي الألباب؛ وتسرية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سوء ما يرتكبه معه المشركون من شطط في القول؛ وإسراف في استهزائهم؛ والله مستهزئ بهم.

                                                          قوله: ونوحا منصوب بفعل محذوف؛ تقديره: "اذكر "؛ أي: اذكر نوحا وإيذاء قومه؛ وقد تشابهت أقوالهم مع أقوال المشركين للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لتشابه القلوب؛ والمقاومة؛ وطرائقها؛ فالناس أولاد الناس؛ إذ نادى من قبل فاستجبنا له نادى ربه مستغيثا بالله؛ وذلك في قوله: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ؛ دعا نوح ربه ذلك الدعاء؛ أو ناداه ذلك النداء؛ فأجابه - سبحانه - فقال: فاستجبنا له الفاء للترتيب والتعقيب؛ والمراد بالتعقيب تأكيد الإجابة؛ وقد قال (تعالى): "فاستجبنا له "؛ الاستجابة شدة الإجابة; لأن السين والتاء للطلب؛ أي أن الطلب طلب الإجابة؛ وأرادها له; ولذا كانت التعدية باللام؛ مع أن "أجاب "؛ تتعدى بنفسها؛ ولكن كانت اللام لشدة الإجابة; لأنها بطلب الله؛ وتشدده في الطلب؛ لأجل نوح - عليه السلام -؛ وأنه إذ استجاب له - سبحانه - ونجاه وأهله من الكرب العظيم؛ وقال - سبحانه -: فنجيناه وأهله من الكرب العظيم حيث أرادوا إيذاءهم؛ وحيث كان كرب الطوفان; إذ أحاط بهم الماء من كل جانب؛ وركب في السفينة من أراد الله إنجاءه؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية