الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 124 ] فصل الخامس : من ارتفع حيضها ، لا تدري ما رفعه اعتدت سنة : تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة ، وإن كانت أمة اعتدت بأحد عشر شهرا ويحتمل أن يقعد الحمل أربع سنين . وعدة الجارية التي أدركت ، فلم تحض . والمستحاضة الناسية لعادتها ثلاثة أشهر . وعنه : سنة . فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض ، أو رضاع ، ونحوه ، فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به ، إلا أن تصير آيسة فتعتد عدة آيسة حينئذ .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( الخامس : من ارتفع حيضها ، لا تدري ما رفعه ) أي : لا تعلم سببه ( اعتدت سنة ، تسعة أشهر للحمل ) أي : منذ أن انقطع لتعلم براءتها من الحمل ; لأنها غالب مدته ، ( وثلاثة للعدة ) رواه الشافعي بإسناد جيد من حديث سعيد بن المسيب ، عن عمر ، قال الشافعي : هذا قضاء عمر في المهاجرين ، والأنصار ، لا ينكره منهم منكر علمناه ، وقال : تكون في عدة أبدا حتى تحيض ، أو تبلغ سن الإياس فتعتد ثلاثة أشهر ، وقاله أهل العراق ، واعتمد على قول ابن مسعود ، رواه البيهقي ، ولأن الاعتداد بالأشهر جعل بعد الإياس ، فلم يجز قبله كما لو تباعد حيضها لعارض . وجوابه : الإجماع ، ولأن الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها ، وهذا يحصل به براءة الرحم فاكتفي به ، ولهذا اكتفي في حق ذات القروء بثلاثة أقراء ، وفي حق الآيسة بثلاثة أشهر ، ولو روعي اليقين لاعتبر أقصر مدة الحمل . ( وإن كانت أمة اعتدت بأحد عشر شهرا ) تسعة للحمل وشهرين للعدة ; لأن مدة الحمل تتساوى فيه الحرة والأمة لكونه أمرا حقيقيا وإذا قلنا : عدتها شهر ونصف فتكون عدتها عشرة أشهر ونصف ، وعلى الثانية : هي كالحرة . ( ويحتمل أن يقعد الحمل أربع سنين ) ، حكاه في " المحرر " وغيره قولا ; لأنه أكثر مدة الحمل ، فلا تعلم البراءة يقينا إلا بذلك ، ثم تعتد كآيسة . وجوابه : قول ابن عباس : لا تطولوا عليها الشقة كفاها تسعة أشهر لظهور براءتها من الحمل بغالب مدته ، ولأن في قعودها أربع سنين ضررا لأنها تمنع من الأزواج [ ص: 125 ] وتحبس عنه ويتضرر الزوج بإيجاب النفقة ، والسكنى عليه .

                                                                                                                          تنبيه : إذا حاضت بعدها لم تنقض به العدة ، وقيل : بلى ما لم تتزوج جزم به السامري وغيره ، وإن حاضت فيها اعتدت بالأقراء ، وإن حاضت بعد النكاح فلا ، والنكاح باق ، قال ابن حمدان : وكذا الخلاف إن اعتدت الكبيرة بالشهور ، ثم حاضت قبل النكاح ، أو بعده . وفيه شيء ، فإن حاضت حيضة ، ثم ارتفع حيضها ، لا تدري ما رفعه - اعتدت سنة في وقت انقطاع الحيض . نص عليه ، وقال : أذهب إلى حديث عمر ، قال ابن المنذر : قضى به عمر بين المهاجرين ، والأنصار ( وعدة الجارية التي أدركت ، فلم تحض ) ثلاثة أشهر في قول الخرقي ، وأبي بكر ، وقدمه في " الكافي " و " الرعاية " وجزم به في " الوجيز " لقوله تعالى : واللائي يئسن من المحيض الآية ، ولأن الاعتبار بحال المعتدة ، لا بحال غيرها ، ولهذا لو حاضت لعشر سنين اعتدت بالحيض ، وفارق من ارتفع حيضها ، فإنها من ذوات القروء . ( والمستحاضة الناسية لعادتها ) ولا تمييز لها ( ثلاثة أشهر ) قدمه في " المحرر " و " الفروع " وجزم به في " الوجيز " ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام ، أو سبعة ، فجعل لها حيضة في كل شهر بدليل أنها تترك فيها الصلاة ونحوها . ويثبت فيه سائر أحكام الحيض ، كذا هنا ، ومن لها عادة ، أو تمييز عملت بهما ، وإن علمت لها حيضة في كل مدة كشهر اعتدت بتكرارها . نص عليه . وفي " عمد الأدلة " المستحاضة الناسية لوقت حيضها تعتد ستة أشهر . ( وعنه : سنة ) أما في الأولى فاختاره القاضي وأصحابه ، وقدمه في " المستوعب " . قال القاضي : [ ص: 126 ] هذه الرواية أصح ; لأنه أتى عليها زمن الحيض ، فلم تحض ، أشبه من ارتفع حيضها ، لا تدري ما رفعه ، وضعفها أبو بكر ، وقال : رواه أبو طالب فخالف فيها أصحابه . وأما في الثانية : فلأنها لم تتيقن لها حيضا مع أنها من ذوات القروء ، أشبهت التي ارتفع حيضها ، قال في " الكافي " : والأول أولى فينبغي أن يقال : متى حكمنا بأن حيضها سبعة أيام من كل شهر فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها ، وإن قلنا : القروء الأطهار ، فطلقها في آخر شهر ، ثم مر لها شهران وهل الثالث انقضت عدتها . ( فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض ، أو رضاع ، ونحوه ، فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به ) لما روى الشافعي ، عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره أن حبان بن منقذ طلق امرأته ، وهو صحيح ، وهي مرضع فمكثت سبعة أشهر لا تحيض يمنعها الرضاع ، ثم مرض حبان ، فقيل له : إن مت ورثتك ، فجاء إلى عثمان وأخبره بشأن امرأته ، وعنده علي وزيد ، فقال لهما عثمان : ما تريان ؛ فقالا : نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت ، فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض وليست من اللائي لم يحضن ، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل وكثير ، فرجع حبان إلى أهله ، فانتزع البنت منها ، فلما فقدت الرضاع ، حاضت حيضة ، ثم أخرى ، ثم مات حبان قبل أن تحيض الثالثة ، فاعتدت عدة الوفاة وورثته . ورواه البيهقي ، عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عنده امرأتان هاشمية وأنصارية ، فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت لها سنة ، ثم مات ، ولم تحض ، فاختصموا إلى [ ص: 127 ] عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان ، فقال : هذا عمل ابن عمك ، يعني : علي بن أبي طالب ، وليس فيه ذكر زيد . ومحمد هذا توفي سنة إحدى وعشرين ومائة ، وهو ابن أربع وتسعين سنة ، ولأنها من ذوات القروء . والعارض الذي منع الدم يزول ، فانتظر زواله . ( إلا أن تصير آيسة فتعتد عدة آيسة حينئذ ) لأنها آيسة ، أشبهت سائر الآيسات . وعنه : ينتظر زواله ، ثم إن حاضت اعتدت به وإلا بسنة ، وهو ظاهر " عيون المسائل " و " الكافي " ، ونقل ابن هانئ : تعتد سنة . ونقل حنبل إن كانت لا تحيض ، أو ارتفع حيضها ، أو صغيرة فعدتها ثلاثة أشهر . ونقل أبو الحارث في أمة ارتفع حيضها لعارض تستبرئ بتسعة أشهر للحمل وشهر للحيض . واختار الشيخ تقي الدين إن علمت عدده فكآيسة وإلا سنة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية